صحيح انها تشرنق الكرة الارضية بأليافها الضوئية، وصحيح انها صارت من العلامات الفارقة في التطور العلمي للأزمنة الحديثة ومجتمعاتها، لكن كثرة من الخبراء تعتقد ان الانترنت أخفقت في تحقيق كثير من وعودها القوية، مثل خلق المجتمعات الرقمية وتقديم المعلومات من دون قيود لكل البشر. ولذا يعتقد هؤلاء الخبراء، كما يبدو من تقارير متواترة في موقع «الجمعية الاميركية لتقدم العلوم» American Association for the Advancement of Sciences، ان الشبكة الدولية للكومبيوتر باتت فعلاً على عتبة التقاط «فرصتها الثانية»، وذلك بفضل التقنيات التي تدفعها للاندماج مع شبكات الاتصالات والبث التلفزيوني.
التطور المعلوماتي يفرض تجديداً جذريّاً في الشبكة الدولية للكومبيوتر
بدأت إذاً عملية تطوير الشبكة. ولنجاحها، يجدر تحسين الخطوط وتسهيل استخدامها إلى أقصى حدود. وينبغي كذلـك جمــــع عناوين وشفرات الهوية الالكترونية لكل مستخدم، ما يُسهّل تنقله في الفضاء الافتراضي لتلك الشبكة.
لكي تصبح الانترنت اكثر اندماجاً مع المكالمات الهاتفية والبث التلفزيوني، وكذلك برامج الراديو، يجب رفع سرعة نقل المعلومات على الشبكة الالكترونية، إضافة الى تسهيل طرق التعامل مع الاتصالات وشبكات الاذاعة والتلفزيون، بحيث تصبح في متناول الجمهور كله.
في حال المكالمات الهاتفية من خلال الإنترنت، يجب ألا تتخطّى المهلة ما بين إرسال المستخدم كلماته، التي تحملها الملفات الصوتية، وتسلّم مستخدم آخر لتلك الملفات ذاتها مدة 150 جزءاً من الثانية. لذلك، ينبغي أن تتمكّن مختلف الأجهزة المتصلة بالشبكة من بثّ بعض المعلومات قبل غيرها. ويُطلق على هذه العملية، التي تتضمن إعطاء أولوية لبعض الملفات على بعضها الآخر، اسم «نوعية الخدمة».
فمثلاً، يعمل «مختبر اللورين للبحوث في مجال المعلوماتية وتطبيقاتها»، وإختصار اسمه هو (لوريا)، على تقنية تسمح بتحليل دقيق ومباشر لبثّ فيلم فيديو مضغوط بنظـام «مبيغ –4» Mpeg-4.
ويهدف هذا العمل لإعطاء الأولوية في تحويل الملفات الرقمية على الشبكة، وخصوصاً في أوقات الازدحام، للصور الاساسية، أي تلك التي تحمل روابط مع ملفات أُخرى. ويؤدي ذلك، بديهياً، لإهمال الصور المنفردة بنفسها، أي التي لا تحتوي ملفاتها سوى الصورة نفسها. وينبغي تكييف الصور الاساسية ومسارها مع وضع الجهاز الذي يتلقاها. ويبسط أندريه كوتون، وهو أحد المسؤولين في مختبر «ايرو نت لاب» Euronet Lab، الذي يعمل بالتنسيق مع «المدرسة الوطنية العليا للاتصالات السلكية واللاسلكية»، الامر على النحو التالي» «يمكن أن نتصوّر أن يكون البثّ التلفزيوني لمباراة رياضية مؤلفاً من فيلم فيديو بتقنية عالية موجه إلى الكومبيوتر الموصول بخطّ الانترنت السريع من نوع «خط المشترك الرقمي اللاتواقتي» Asynchronous Digital Subscriber Line (واختصاراً ADSL «ايه دي اس ال») وفيلم فيديو قصير مصنوع بتقنية للهواتف الخلوية من نوع «يو ام تي اس» UMTS.
يستلزم الامر ان تُعطى الاولوية لفيلم المباراة الرياضية. لذا، يجب صنع جدول ثابت بالنتائج، مع القدرة على التدخل عندما لا تصل ملفات تلك المباراة بالطريقة الصحيحة».
إدارة البثّ الجماعي
ثمة مثال آخر. يعمل الإنترنت راهناً بنظام البث الأحادي. فمثلاً، إذا طلب مستخدمان معلومات متطابقة (مثل مشاهدة برنامج معين في بثّ مباشر)، تنقل المعلومات بنسختين على مسافة كبيرة من الشبكة، مما يوجد إعاقات في سير الملفات الرقمية لذلك البرنامج. لذا، ينبغي الانتقال بالانترنت إلى نظام «تعددية البثّ» الذي يسمح للمصدر بإرسال نسخة من المعلومات إلى المتلقّي الأقرب إليه، على أن تقوم تجهيزات أخرى للإرسال على الشبكة بتكرار نسخها لمرات عدّة. تسمح هذه الطريقة بتحرير قسم كبير من الملفات المُرسلة في الفروع الأساسية من الشبكة. ما زالت «تعددية البثّ» قليلة الاستعمال على الانترنت راهناً، مع أنّها معتمدة منذ عشر سنوات في أوساط المجتمعات العلمية.
فمثلاً، توصّل مشروع «ان ار أي ان» NREN التابع لـ «وكالة الفضاء والطيران» (ناسا) لإجراء عرض لشبكة متعددة البثّ في أيار (مايو) 1999. ويعود السبب في شكل كبير إلى كون هذه العملية تتطلّب تبديلاً للكثير من التجهيزات الاساسية في الشبكة.
وفي سياق متصل، تملك الانترنت راهناً شفرات عدّة للتعريف بهوية المستخدم، بما فيها أرقام الهاتف والفاكس والأسماء المستعارة لنظام الرسائل المباشرة في البريد الالكتروني وغيرها. وقد أطلقت شركة «قوة العمل لهندسة الانترنت» Internet Engineering Task Force ، واختصاراً «آي أي تي اف» IETF ، مشروعاً بحثياً عن وسيلة لتسهيل جمع شفرات التعريف عن المستخدم الواحد، إذ «تتعرف» الواحدة منها الى الاخرى، ما يسهل نقل المعلومات الى ذلك المستخدم.
وتوصّل المشروع إلى تأسيس معيار علمي يسمح بجمع رقم الهاتف مع عناوين إلكترونية وشفرات تعريف أخرى تخصّ مالك رقم الهاتف، مثل عنوان نظام الرسائل المباشرة في البريد الالكتروني. وفي المقابل، فان حقوق الانسان الاساسية، وخصوصاً الحق في الخصوصية الفردية، قد تتعرض لانتهاك واسع، من قبل تلك التقنيات. ويقتضي الامر نقاشاً يجمع بين الشقين العلمي والاجتماعي عن هذه الامور، على ان يُجرى في إطار دولي، مثل الامم المتحدة.
كما أنّ موزّعي خدمات الانترنت يسمحون راهناً بإنشاء علاقة بين اسم الموقع على الشبكة كما يكتب بالاحرف الالفبائية، وعنوانه الالكتروني كما يُكتب رقمياً، مثل تحويل عنوان من نوع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إلى عنوان من النوع 213.186.34.126. وقد يُستخدم ذلك الأمر أيضاً لإنشاء علاقة بين رقم هاتف المستخدم وعنوان بريده الإلكتروني.
وفي حال طُبّقت تلك التقنيات، تكفي معرفة رقم هاتف مستخدم الإنترنت ليتمكّن مستخدم آخر من إرسال رسالة إلكترونية أو رسالة خليوي، أو زيارة موقعه على الشبكة. وأخيراً، أُطلقت شبكة «ايه ايه ار نت» AARNet التي تربط جامعات أوستراليا كافة، لتكون التجربة الأولى في اعتماد هذه التقنية.
شبكة موازية لاختبار الاكتشافات
على طريق «الفرصة الثانية» للإنترنت، يمكن الإشرة الى تجربة علمية مهمة، تجري منذ عشر سنوات، وتتضمن نشر شبكة متطورة تربط أكثر من 200 جامعة، معظمها في الولايات المتحدة، بهدف اختبار القدرات والتطبيقات المستقبليـــة للشكــل المقبل للشبكة الإلكترونية الدولية. إذاً، أصبح إنترنت المستقبـــل موجوداً. ويطلـــق عليه إسم «إنترنت 2». أنشئت هذه الشبكــــة الموازية سنة 1996. وتجمع أكثر من مئتي جامعة (معظمها أميركية).