في إطار لسانيات النص واللسانيات الحاسوبية (1) : النص المتشعب Hypertexte (تعريف بكتاب)

في إطار لسانيات النص واللسانيات الحاسوبية (1) : النص المتشعب Hypertexte (تعريف بكتاب)

من النص إلى النص المترابط (أو النص المتشعب)
مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي
المؤلِّف سعيد يقطين
(1)

صدر هذا الكتاب عن المركز الثقافي العربي ، بيروت / الدار البيضاء ، 2005
وفيما يلي تمهيد الكتاب :

تمهيد
1 . صور جديدة للتواصل :
1 . 1 . يأتي هذا الكتاب " من النص إلى النص المترابط : مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي " امتدادا لكتاب " الأدب والمؤسسة والسلطة " ، وخاصة خاتمته المفتوحة (على سبيل التركيب) التي جاءت تحت عنوان " الأدب ، المؤسسة ، الإعلاميات".
لاشك أن عنوان هذا الكتاب يثير بعض التساؤلات لدى القارئ الذي لما يتمكن من التواصل مع بعض الأنماط الإبداعية والأدبية التي بدأت تتبلور في أمريكا وأروبا وتنتشر في بقاع شتى من المعمور (ولا حظ لها في إبداعنا العربي إلى الآن) منذ أواخر الثمانينيات من القرن العشرين . لذلك يستدعي هذا العنوان بعض التوضيح :
ـ أما النص فلا شك أن لنا به معرفة ما ، وسيضطلع هذا الكتاب بتدقيق تحديده في ضوء المعارف الجديدة .
ـ أما "النص المترابط" فأستعمله كمقابل لـ" Hypertexte" ، وهو "النص" الذي نجم عن استخدام الحاسوب وبرمجياته المتطورة والتي تمكن من إنتاج "النص" وتلقيه بكيفية تبنى على "الربط" بين بنيات النص الداخلية والخارجية .
ـ أما "الجماليات" فمبحث يهتم بالأشكال الفنية وصورها وأبعادها الجمالية والاجتماعية .
ـ أما الإبداع التفاعلي فهو مجموع الإبداعات (والأدب من أبرزها) التي تولدت مع توظيف الحاسوب ، ولم تكن موجودة قبل ذلك ، أو تطورت من أشكال قديمة ، ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورا جديدة في الإنتاج والتلقي .
1 . 2 . يدافع هذا الكتاب على أطروحة أساسية عليها مداره ، وهي مركز توجيه مختلف أبوابه وفصوله .
هذه الأطروحة هي : توظيف أداة جديدة للتواصل يؤدي إلى خلق أشكال جديدة للتواصل .
أما الأداة هنا فهي " الحاسوب " ، وأما الشكل هنا أيضا فهو " الإبداع التفاعلي".
غير أن " الحاسوب " ليس فقط " أداة " ، فهو في آن واحد : أداة ، وشكل ، ولغة ، وفضاء ، وعالم . فهو بمعنى آخر أشمل : منتوج وأداة إنتاج وفضاء للإنتاج وعلاقات إنتاجية. وكل هذه الأبعاد والدلالات التي تحملها مادة " ن . ت . ج " تتحقق في " الإبداع التفاعلي " من خلال " النص المترابط " باعتباره هو أيضا وفي آن واحد : أداة للإنتاج (برنامج) وإنتاجا يتحقق من خلال النص (أيا كانت علامته : اللغة ، الصورة ، الصوت ، الحركة ) سواء جاءت هذه العلامات متصلة أو منفصلة .
في هذا " الإبداع " التفاعلي يتحقق " التفاعل " في أقصى درجاته ومستوياته :
ـ بين المستعمل للحاسوب والحاسوب من جهة ( لأن بينهما علاقة )،
ـ وبين العلامات بعضها ببعض ( لكونها مترابطة ) من جهة ثانية ،
ـ وبين المرسل والمتلقي ، حيث يغدو المتلقي للنص المترابط بدوره منتجا ، بالمعنى التام للكلمة ، من جهة ثالثة.

2 : الحاسوب والوسائط المتفاعلة :
2 . 1 . في نظريات النص السابقة على ظهور " النص المترابط " كنا نحدد أطراف ومكونات النص في ثلاثة أطراف هي : 1 . الكاتب ، 2 . النص ، 3 . القارئ .
أما مع النص المترابط فتتحدد الأطراف على النحو التالي : 1 . المبدع ، 2. النص المترابط ، 3 . الحاسوب ، 4 . المتلقي . ونلاحظ الحضور الأساس للحاسوب في هذه المعادلة التي بدونها يستحيل الحديث عن : " النص المترابط " بالصورة التي تبلورت باستخدام الحاسوب . فالحاسوب يحتل موقعا جوهريا في " النص المترابط " ، وفي الإبداع التفاعلي بوجه عام . إنه أداة الإنتاج والتلقي في الوقت نفسه . وبدونه يستحيل الحديث عن النص المترابط ، وعن الإبداع التفاعلي بصفتها شكلين إبداعيين جديدين من جهة أولى . ويتبين لنا ، من جهة ثانية ، من خلال توظيف الحاسوب ، كوسيط للإنتاج والتلقي معا ، أن هذا التوظيف لم يؤد فقط إلى ظهور نمط إبداعي جديد، ولكن أيضا ، وبالتلازم إلى بروز اختصاص جديد يتحدد عبر اشتغاله بهذا " النص الجديد " ، هو ما نسميه " الوسائط المتفاعلة " .
لقد جاء النص المترابط والإبداع التفاعلي تطويرا للنص والإبداع بمعناهما القديم ، كما أنهما تحققا ، في الصيرورة ، على أنقاضهما .
2 . 2 . لكل هذه الاعتبارات نرى ضرورة التفكير في النص الجديد ، وفي هذا الإبداع الجديد. ولا غرو أن البحث والتفكير فيهما لايمكنه أن يمر دون التفكير أو البحث في هذا الوسيط الجديد من جهة ، وفي دوره في ظهور وتجلي أشكال تعبيرية وتواصلية جديدة من جهة ثانية .
وذلك ما حاولنا الاضطلاع به ، في هذا الكتاب ، من خلال خوضنا غمار البحث في طبيعة " النص المترابط " وفي الإبداع التفاعلي وفي شروط إنتاجه وتلقيه وذلك عبر تأطير كل ذلك في نطاق مانسميه ب" الوسائط المتفاعلة " باعتبارها تتصل بالمجال الذي نؤطر ضمنه الإبداع أو التواصل ( بين المبدع والمتلقي ) والذي يتحقق باستخدام الحاسوب .
نقترح مفهوم " الوسائط المتفاعلة " من جهة أولى كمقابل لـ :
" mediated communicationـ Computer" ، ومن جهة أخرى كامتداد وتطوير للوسائط المتعددة (المذياع / التلفزة ،،، ) . وفي الصيرورة التي قطعها الإبداع الأدبي كامتداد وتطوير للشفاهية والكتابية من جهة ثالثة .
مع الوسائط المتفاعلة وقع التفاف وترابط بين :
1 . الوسائط المتعددة باعتبارها وسائط للتواصل بين الناس ( إنتاج المعلومات ونقلها ) ، والتي لم يتم استثمارها في المجال الأدبي مثلا بصورة كبرى ، إذ بقيت الأجناس الأدبية التقليدية هي المهيمنة ( تلك التي تعتمد الشفاهية أو الكتابية ) ولم تستفد من هذه الوسائط نسبيا سوى الرواية من خلال تحويلها إلى السينما ، والمسرحية التي عرفت بعض تجلياتها الانتقال إلى التلفزيون أو الفيديو ، بينما اعتبرت الفنون التي توظف الصورة والصوت مثل السينما والدراما المتلفزة مثلا داخلة في نطاق الفنون البصرية .
2 . والوسائط المتفاعلة القائمة على أساس الحاسوب ، والتي صار الأدب بمقتضاها يوظف إلى جانب " اللغة " الصورة والصوت . لقد جاءت الوسائط المتفاعلة لتعيد إلى الإبداع ، وضمنه الأدب موقعه ضمن مختلف الوسائط ، وأدمجته في هذا السياق في الوسائط وقد صارت تفاعلية .
لا يمكن لهذا " التفاعل " التام بين مختلف الأطراف المتفاعلة : المبدع ، النص المترابط ، المتلقي ، الحاسوب إلا أن يدفعنا إلى البحث والتساؤل عما أضافته هذه الوسائط المتفاعلة للإبداع والأدب ، وعما يمكن أن يجنيه المبدع والمتلقي من جراء تفاعلهما واستخدامهما لهذه الوسائط في التواصل ؟
جعلنا مدار هذه الأسئلة هذا الكتاب الذي يرمي إلى تحقيق مقصد أساس هو دفع كل من المبدع والمتلقي العربيين إلى تكوين فكرة وتحصيل معرفة أولى عن النص المترابط ، وعن الإبداع التفاعلي وعن الوسائط المتفاعلة ، وإلى خوض غمار التجريب ، تجريب مغامرة جديدة في الإبداع والتلقي ، أي في التواصل . وإذا نجحنا في ذلك ، فمعناه أننا بصدد الدخول إلى حقبة جديدة من التفكير والبحث في : الإبداع والفن والأدب والنظرية الأدبية ، والمجتمع ، والتواصل ،،، وبتعبير آخر ، نكون أمام رؤية وممارسة جديدة للثقافة .

في إطار لسانيات النص واللسانيات الحاسوبية (2) : النص المتشعب Hypertexte (تعريف بكتاب)

من النص إلى النص المترابط (أو النص المتشعب)
مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي
المؤلِّف سعيد يقطين
(2)

(تتمّة التعريف بالكتاب) :

احتوى الكتاب إلى جانب الإهداء و قول ابن قتيبة في تصدير كتابه" أدب الكاتب"، تمهيدا و ثلاثة أبواب و ملاحق.
تضمن التمهيد:
1 ـ صور جديدة للتواصل
2 ـ الحاسوب و الوسائط المتفاعلة

أما الأبواب الثلاثة فعنونها الكاتب بما يلي:
ـ الباب الأول: نحن و العصر
ـ الباب الثاني: النص المترابط: مفاهيم و تصورات
ـ الباب الثالث: الإبداع العربي و آفاق المستقبل.
و تضمنت الملاحق:
ـ الملحق الأول: محطات في تاريخ النص المترابط ( و هو تاريخ علاقة الأدب بالإعلاميات)
ـ الملحق الثاني: مصطلحات النص المترابط
ـ الملحق الثالث: بيبلوغرافيا " النص المترابط" بين النظرية و التطبيق.

و كتب سعيد يقطين على ظهر الغلاف: النص و النص المترابط (Hypertexte)
يدور هذا الكتاب على أطروحة أساسية : توظيف أداة جديدة للتواصل يؤدي إلى خلق أشكال جديدة للتواصل. و الأداة هنا هي " الحاسوب"، أما الشكل فهو" الإبداع التفاعلي".
مع النص المترابط تتحدد الأطراف على النحو التالي: المبدع، النص المترابط، الحاسوب، المتلقي. و نستعمل المبدع محل الكاتب، لأن دوره يتعدى الكتابة إلى الإبداع بواسطة الحاسوب الذي يتسع لممارسات أخرى غير الكتابة، كذلك فإن القارئ، إلى جانب القراءة يقوم بأعمال أخرى تتصل بتوظيف الحاسوب. و هكذا فإن النص المترابط بما هو إبداع تفاعلي جاء تطويرا للنص و الإبداع بمعناهما القديم.
لهذه الاعتبارات خضنا في هذا الكتاب غمار البحث في طبيعة النص المترابط، و في الإبداع التفاعلي و في شروط إنتاجه و تلقّيه، و ذلك عبر تأطير كل ذلك في نطاق ما نسميه " الوسائط المتفاعلة" computer mediated communication كامتداد و تطوير للوسائط المتعددة ( المذياع ـ التلفزة ...) لنبحث في الصيرورة التي قطعها الإبداع الأدبي كامتداد و تطوير للشفاهية و الكتابية، و في هذا التفاعل بين: المبدع، النص المترابط، المتلقي، الحاسوب. و هو ما دفعنا إلى البحث و التساؤل حول ما تمت إضافته للإبداع و الأدب، و عما يمكن أن يجنيه المبدع و المتلقي من جراء هذا التفاعل عبر استخدام هذه الوسائل في التواصل؟

يستحق هذا المجهود التنويه قبل قراءته. فسعيد يقطين من الباحثين الجادين في حقل الدراسات النقدية عموما والسردية بالخصوص.

ويمكن الجزم بأهميته قبل معرفة ما سيجده القارئ في هذا العمل، لأنه - في حدود العلم - من أوائل البحوث في نوعه في العالم العربي، أو على الأقل سيحسب له أنه من البحوث الأولى في هذا المجال الذي سيستقطب اهتمام مزيد من نقاد الأدب ومبدعيه بالتأكيد في في غضون السنوات القليلة القادمة. والسبب في ذلك أن الثورة الرقمية بصدد إلحاق تغييرات عميقة على كافة قطاعات الحياة والفكر والثقافة، وضمن ذلك الإبداع والنقد الأدبيين.

أول ملاحظة تبدو للقارئ: ترجمة مصطلح الـ hypertexte بـ «النص الترابطي». هي ترجمة مفيدة ، ولكن يمكن اقتراح كلمة «النص التشعبي» أو «المتشعب» وهو المشهور في الاستعمال في هذا المجال«الهـيـبـيرتكست»

ماذا عن النّصّ المتشعّب؟

لماذا الحديثُ عن النّصّ المتشعِّب؟
(3)

بعد التَّعْريفِ بالكِتابِ السّالِفِ، أحبُّ أن أثيرَ قضيّةً حيّةً تَمَسُّ نظامَ التَّعامُلِ مع النّصوصِ ومُعالَجَتها إلكترونيّاً، هذه القضيّةُ هي التّشعُّبُ الّنّصّي أو التّرابُط النّصّي :
التّشعُّبُ الّنّصّي أو التّرابُط النّصّي Hypertext نظامٌ يتألَّفُ من حشْدٍ من النّصوصِ، ومن رَوابِطَ links تُؤلِّفُ بَيْنَها، ويسمحُ هذا النّظامُ للمستعمِلِ أن يتنقَّلَ من نَصٍّ إلى آخَرَ ، وأن يتصرَّفَ في المعلوماتِ بالاستفادةِ وإعادةِ التّركيبِ والتّقديم والتأخيرِ والحذفِ والتّعْديلِ، وذلِكَ لصياغةِ نصٍّ جديدٍ من صلبِ نُصوصٍ متعدّدةٍ...
ولا تتاحُ إمكانيّاتُ التّصرّفِ في الّنّصوص إلاّ في مجالِ النّصّ الإلكترونيّ لأنّ له مواصفاتٍ تختلفُ عن النّصّ الشّفويّ أو النّصّ المَكْتوب؛ فتوظيفُ الحاسوبِ في مُعالَجةِ النّصوصِ أوجدَ إمكانيّاتٍ هائلةً أمام كتابةِ النصوص ومُعالجتِها بالتّعديلاتِ المختلِفةِ، ولا شكّ أنّ الرّوابِطَ الإلكترونيّةَ وضعت النّصوصَ في نسَقٍ عامٍّ أوسعَ وأشملَ ممّا كانت عليه الإمكانيّات النّصّيّةُ المحدودة، وهذا النّسقُ العامّ يتجلّى في إتاحة الفرصةِ أمام المستخدِمِ، للتّحرّكِ بين النّصوص، وإدراجِ العلاماتِ غيرِ اللّفظيّة مثل الأصوات ، والصّور الجامدة والحيّة ، والخرائط ، والجَداوِل ، واللّوحات، وغيرها من الوسائط المتعدّدة التي وسَّعَتْ مفهومَ النّصّ، وأدرجتْهُ في نظامٍ جديد هو النصّ الإلكترونيّ

ماذا عن النص المتشعب؟ (4)

عودٌ إلى النّصّ المُتشعِّب:
تَفاعُلُ النُّصوص
(4)

ما أجملَ الحديثَ في هذا المنتدى الثّقافيّ اللامع، عن تفاعُلِ النُّصوص، وهو مفهومٌ يلمسُه كلّ مَن يشتغل بمعالجةِ النّصوص في الحاسوب، بالنّقلِ أو التّغيير أو الحذف أو الزّيادة أو غيرِها من عمليّاتِ التَّنْسيقِ... التي تولِّدُ نصّاً من أصلابِ نصوصٍ أخرى، ووسيلةُ التَّوْليدِ هي إدْخالُ النّصوص المرادِ تنسيقُها، في علاقاتٍ واسعةٍ لفظيّةٍ وغيرِ لفظيّةٍ، شفويّةٍ أو لفظيّةٍ أو إلكترونيّة.
و لاننسى في هذا السّياقِ أنّ تفاعلَ النّصوص والتّنسيقَ بينَها لِتوليدِ نصٍّ جديدٍ، ليس نظاماً مُطلَقاً صارما ينبَغي أن تخضعَ له جميع النّصوصِ المُراد التّنسيقُ بينها، بل هو سلسلةٌ من العمليّاتِ المُقيَّدَة بثقافةِ كلِّ مُعالجٍ للنصوص، فمُعالِجُ النُّصوصِ هو الذي يَجمعُ النّصوصََ على نحوٍ ما، ويتصوّر بينها علاقاتٍ معيّنةً، ويولِّدُ منها جميعاً نصّاً جديداً ناسخاً لِما قبلَه. إذن إحداثُ التّفاعلِ بين النّصوص خاضعٌ لطريقةِ تصوّرِ المُعالِج، وكلّما اتّسع أفُقُه الثّقافِيّ ورصيدُه من النّصوص في فنٍّ ما، كان استخراجُه للنّص الجديد ضرباً من الإبداعِ والتّطويرِ واستثْمارِ العناصرِ الموجبَةِ في النّصوصِ لبناءِ نصٍّ جديد...
وللحديث بقيّةٌ إن شاء الله
ونأمل من الإخوة والأخواتِ أن يُدلوا بآرائهِم، للتقويم وإبداء وجهاتِ النّظر

ماذا عن النّصّ المتشعِّب؟ (5)

عودٌ إلى النّصّ المُتشعِّب:
تَفاعُلُ النُّصوص
(5)

بعد هذا التّنبيه المُشارِ إليه أعلاه (درس4) ، على علاقة التّفاعلِ النّصّي بثقافةِ المُعالِج، نَعودُ إلى مقارنةِ النّصّ اللّغويّ بالنّصّ الإلكترونيّ، لبيانِ الفُروقِ بينَهُما:

* فالنّصّ اللّغوي أو المَكْتوب أو المألوف:
- يعبِّرُ عن المعاني التي يحمِلُها بِنقْلِها من عالَمِ العلاماتِ إلى عالَمِ اللّغةِ والألفاظِ : النّصّ المألوف يمنحُ المعاني بُعْداً لفظيّاً
- النّصّ اللّغويّ ينقلُ المعاني أو النّصوص التي يجمعُ بينَها ويُحوِّلُها، ويُخضعُها لنِظامٍ خَطّيّ متسلسِلٍ مُتَنامٍ، لا يتبيّنُ معناه الكاملُ إلاّ بالفَراغِ من قِراءَتِه
- النّصّ اللّغويّ له -بطبيعَتِه اللّغويّةِ- قُدْرَةٌ تضمينيّة، حيثُ يستوعِبُ في جوفِه نصوصاً أخرى تنقُله إلى نصٍّ جديدٍ.
- النّصّ اللغويّ يصنِّفُ عَناصِرَه إلى عَناصِرَ رئيسَةٍ تَتَبَوّأ المَتْنَ، وعَناصِر ثانويّةٍ تتنزَّلُ في الحَواشي والهَوامِشِ والتّعليقاتِ والطُّرَر

*أمّا النّصّ الإلكترونيّ :
- فإنّه لا يقتصِرُ في التّعبيرِ عن مَعانيهِ على اللّغةِ الطّبيعيّةِ وحدَها، فقد يجمع في النّصّ الواحدِ بينَ ما هو لغويّ وما هو صوتيٌّ حيٌّ وما هو حركيٌّ... أي إنّ النّصّ الإلكترونيّ يتجاوزُ البعدَ اللّفظيَّ الذي يقفُ عندَه النّصّ المألوفُ، ويعتمدُ الوسائطَ المتعدِّدةَ في التَّعْبيرِ عن معانيه (Multimedia)
- النّصّ الإلكترونيّ يتجاوزُ الاتّجاهَ الخطّيّ للعلاماتِ التي يحتوي عليها، إلى اتّجاهاتٍ أخرى متعدّدةِ الأبعادِ، فهو ينتقلُ شجريّاً أو هرميّاً وبطريقة التَّوازي من نصّ إلى آخرَ ومن كلمةٍ [لها قيمةٌ تشعّبيّة، أو قيمةٌ إيصاليّةٌ، أو قيمةٌ رَابِطيّة]إلى فضاءٍ آخَرَ من الكلِماتِ أو الأصواتِ أو الصّورِ أو الحَرَكاتِ...
- النّص الإلكترونيّ يمنحُ النّصوص بُعداً ترابُطِيّاً ويُحدثُ بينها انسجاماً وقابِلِيَّةً للتَّفاعُل؛ فيُصبحُ كلُّ نصٍّ قابلاً لأن يتضمَّنَ نصوصاً أخرى يُمكن الانتقالُ إليها بسرعةٍ والتّعامُلُ معها مُستقِلَّةً .
- النّصّ الإلكترونيّ له هو أيضاً قُدْرَةٌ تضمينيّة مثل النّصّ اللّغويّ، حيثُ يستوعِبُ في جوفِه نصوصاً أخرى تَتَفاعَلُ مَعَه، وتنقُله إلى نصٍّ جديدٍ.

بعد هذه الموازنات العاجلةِ، يظهَرُ أنّ صفةً التّفاعلِ في النّصّ الإلكترونيّ تُسهِمُ في تطويرِ التّصوّرِ للنّصّ الأدبيّ العربيّ وتعميقِ المعرِفةِ به وذلك بإحداثِ علاقاتِ التّفاعلِ بين النّصوصِ المتجانِسةِ التي تجمعُها جوامعُ معيّنة ...

ونأمل من الإخوة والأخواتِ أن يُدلوا بآرائهِم، للتقويم وإبداء وجهاتِ النّظر

في النّصِّ المُوازي
النّصّ الموازي أو عَتَبات النّصّ

مصطلح النّصّ الموازي(1)، كثُر الحديثُ عنه اليومَ، وخاصّة عندما أثيرَت من جديد إشكالية القِراءة أو القراءاتِ للنّصّ الأدبي خصوصا واللّغوي عموما، لقد أصبحت هناك أسس نظريّة معرفية توجّه إنتاج النّصّ الحديثِ ، وتوجَّه الاهتمامُ النّقدي الحديث إلى الكشف عن الجزئيّات والتفاصيلِ المحيطة بالنّصّ أو ما يُسمّى عَتَباتِ النّصّ أو النّصّ الموازي، فدخل هذا النّوع من البحثِ في دائرة الضّوء ولم تَعُد الهوامش و لا الأعراض و لا ما كان يُعدّ ثانويا في النّصّ الأدبيّ ، لم تعد كما كان يُنظرُ إليها بل أصبحت تُسْتَضافُ إلى مركز الاهتمام في لسانيات النّصّ.
لقد أصبحت نصّيّة النّصّ الأدبي الحديث عموما والشّعر العربي الحديثِ تُبْنى انطلاقاً من عَتَباتِه الدّاخليّة كاسم المؤلّف أو الشّاعر، وتحديد الجنس الأدبي، وعنوان العمل الأدبي والعنوانين الفرعية والفهرست إذا كان العمل نقدا أو دراسةً، ويدخُل في العتباتِ المُقدّمة وكلمة النّاشر والتّصدير والإهداء...(2)
لقد انقلب الهامشيُّ مركزيّاً، وبناء على هذا الانقلابِ بدأت لسانيات النّصّ الأدبي الحديثِ تُعيدُ بِناءَ أسئلتِها وقضاياها النّظريّة والنّصّيّة. لقد أصبح النّصّ الأدبي المعاصر يُحقق نصيته في هذه العَتَباتِ الدّاخليّة التي تمنحه هوية نصّيّة مخصوصة. كلّ ذلك لأنّ النّصّ المعاصر ارتبط بعصره بوشائج ثقافيّة ومعرفية جديدة، بِما في ذلك الوشائجُ التي أحدثتْها النّهضة التكنولوجية والإعلاميّة ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر تفاصيل هذا الموضوع في :
- نبيل منصر: الخطاب الموازي للقصيدة العربية المعاصرة، نبيل منصر، دار توبقال للنشر، 2007
- محمد بنيس: الشعر العربي الحديث: بنيته وإبدالاتها: التقليدية دار توبقال 1990، الرومنسية العربية، دار توبقال،1990، الشعر المعاصر، دار توبقال، 1990، مساءلة الحداثة، دار توبقال 1991.

(2) هناك مفاهيم كثيرةٌ يمكن أن تؤلِّفَ نظاماً للنّصّ الموازي مثل المُصاحِب النّصّي Peritext مثل المُقدّمات التي يقدّم بها المؤلِّف لعملِه أو التي يُقدّمُ بِها غيرُه، والعنوان الذي يختارُه لعمله والإهداء...، والمُحيط النصّي Epitext مثل المجلاّت التي يظهرُ فيها عمل المُبدِع مجزّأً وكأنّ المجلّة مُختبر للتجريب أي تجريب استحقاق العمل الأدبي أن يكون نصا مكتملاً أو لا يكون،
فالأوّل (المصاحب النّصّي) يدلّ على أجناس قوليّةٍ داخل النّصّ أو العمل الأدبي، ويدلّ الثّاني (المحيط النصي) على أجناس قولية تسنِد النّصّ من الخارج
يُرْجَعُ في هذه المفاهيم المؤطِّرة للنّصّ، إلى:

-Gérard Genette, Palimpsestes, Collection poétique, Seuil, Paris, 1982
-Gérard Genette, Seuils, Collection poétique, Seuil, Paris, 1987
-Gérard Genette, Fiction et diction, Collection poétique, Seuil, Paris, 1982