منتدى علاء الدين السابع الدولي لسفراء العلم والتميز
 السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها Aladdin.7olm
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو ا معنا
او التسجيل ان لم تكن عضوا وترغب في الانضمام إلى أسرة منتدى علاء الدين السابع الدولي لسفراء العلم والتميز التابعة لأكاديمية المنارة الدولية للإبداع الفكري
سنتشرف بتسجيلك و رؤيتك لبعض الأقسام والروابط المحجوبة عن الزوار
شكرا  السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها 829894
[b]ادارة المنتدى  السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها 103798[/b
منتدى علاء الدين السابع الدولي لسفراء العلم والتميز
 السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها Aladdin.7olm
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو ا معنا
او التسجيل ان لم تكن عضوا وترغب في الانضمام إلى أسرة منتدى علاء الدين السابع الدولي لسفراء العلم والتميز التابعة لأكاديمية المنارة الدولية للإبداع الفكري
سنتشرف بتسجيلك و رؤيتك لبعض الأقسام والروابط المحجوبة عن الزوار
شكرا  السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها 829894
[b]ادارة المنتدى  السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها 103798[/b
منتدى علاء الدين السابع الدولي لسفراء العلم والتميز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى علمي تربوي تنموي يفيد جميع شرائح المجتمع الإسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
إن أعظم اكتشاف هو أن الإنسان يمكن أن يغير حياته إذا ما استطاع أن يغير اتجاهاته العقلية..ما سعى إليه الإنسان يكمن في ذاته هو أما العادي فيسعى لما لدى الآخرين...النجاح حلم الجميع ..ولكن الطريق إليه يحتاج إلى قرار..لهذا ينبغي للمرء أن يكوِّن نفسه على الدوام من خلال حضوره دورات و ورشات تعرضها عليكم مراكز التدريب المتخصصة.. إعلانات صديقة:..تعلن أكاديمية المنارة للإبداع الفكري عن تنظيم مختلف فروعها لبرامجها المتعددة في جميع التخصصات التنمية البشرية والاستشارات والخدمات التعليمية وتعرض عليكم على مستوى الوطن دورات متخصصة للتطوير والتنمية الذاتية،... أدعــيه.. دعاء قبل المذاكرة: اللَّهم إنِّي أسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين، اللَّهم اجعل ألسنتناعامره بذكرك وقلوبنا بخشيتك وأسرارنا بطاعتك إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير وحسبنا الله ونعمالوكيل. دعاء عند الدراسة:اللَّهم إنِّي أسألك التَّوفيق والسَّدادفي عملي وعلمي، اللَّهم بارك لي في عملي  وعلمي، اللَّهم بارك لي في علمي وثبته في قلبيوعقلي وذكرني منه ما نسيت. دعاء بعد الدراسة:اللَّهم إنِّي أستودعك ما قرأتوما حفظت فردَّه لي عند حاجتي إليه.

  

Alger


 

  السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hichem123
عضومهتم
عضومهتم
hichem123


ذكر
المزاج : عادي
المهنة : طالب
الهواية : الشطرنج
البلد : جزائر
الولاية أو البلدية : غليزان 48
أدعية مختارة لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
عدد الرسائل عدد الرسائل : 22
العمــــر : 28
المستوى الدراسي : 3am
الإهتمامات : الاعلام الي
نقاط القوة: : 5000

 السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها Empty
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها    السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها Emptyالإثنين 11 يوليو 2011, 08:38

الحديث والسيرة النبوية



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره

ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا

من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له

واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له

واشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله

اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى اله وصحبته اجمعين

اما بعد

الموضوع طويل لكنه مفيد

الرسول وبناء الأمة

شمسٌ أشرقت في سماء الإنسانيَّة، وقد عزَّ أن تطلع في سمائها مثلها، ونورٌ سطع في ربوع الدنيا فأنار في جنباتها، ومثلٌ أعلى في كل مناحي الحياة، وخاصَّة الإنسانيَّة والاجتماعيَّة، على أعظم ما يكون من الوضوح والكمال والاقتداء، وقَبْلَ ذلك فهو رسولٌ أيَّده الله وعصمه بوحي من عنده وتوفيقٍ من لدنه!

وسيرته r تحمل نماذج متعدِّدة؛ فهو كَفَرْدٍ: ملتزمٌ في سلوكه، مستقيمٌ في أخلاقه، صادق وأمين مشتهر بذلك بين قومه، وهو كرئيس دولة: حاذق حكيم وعادل رحيم، وهو كقائد: سياسي ماهر وحربي محنَّك، وهو كزوج: مثالي ناجح في بيته ومع زوجاته، وهو كأب: حنون رحيم مع أولاده، وهو كداعية: قمَّةٌ في الدعوة إلى الله، باذلٌ غاية جهده ومنتهى طاقته في سبيل إبلاغ رسالته ومهمَّته، وهو كمسلم: راهب بالليل فارس بالنهار، حُلو المعاشرة لطيف الفكاهة سهل الطبع، وفضلاً عن ذلك فسيرته r مثال واضح ونموذج عملي واقعي في طريق بناء الأمم والمجتمعات، صغرت في ذلك أم كبُرت!

فقد استطاع رسول الله r بالمنهج الرباني الذي أُوحي إليه أن يبني أُمَّة من لا شيء، وأن يجمع العرب والعجم على دين واحد، ومبدأ واحد، وأن يُقِيم حضارة استحال على الزمان أن يَجُودَ بمثلها، لقد كان تغييرًا هائلاً ذلك الذي أحدثه r في الدنيا يوم بُعث فيها، ولا شكَّ أن دراسة تجربته ليست فقط أمرًا مفضَّلاً أو محبَّبًا، ولكنها أمر واجب على كل مسلم أراد النجاة في الدنيا والآخرة، وأراد لأُمَّته العزَّة والكرامة والسيادة والريادة.

أحوال العالم وجزيرة العرب قبل بعثة النبي

لعلَّ العجيب في أمر بَعثته r إنَّما يكمن في ذلك التوقيت الذي بُعث فيه؛ فقد بُعث r والعالم فوضى يأكل بعضه بعضًا، وقد ساد الظلم وفشا الفجور وكثرت الآثام والشرور؛ فها هي دولة الروم العظيمة المترامية الأطراف منقسمة إلى قسمين: الروم الشرقية وعاصمتها روما، والروم الغربية وعاصمتها القسطنطينية (إستانبول حاليًا)، والتي كانت تحمل لواء النصرانيَّة في العالم، وبينهما تنازع عقائدي حيث المذهب الكاثوليكي والمذهب الأرثوذكسي، ومن الناحية الأخلاقيَّة أُصِيبت الدولة بانحلال خُلُقي جسيم، لم يَقِلَّ عنه الانحلال الاجتماعي، والذي تبدَّى في المفارقة الكبيرة بين طبقات المجتمع، والتي كان يمثِّلها غالبًا: السادة والعبيد [1].

أمَّا دولة الفرس فكانت قد شهدت فسادًا حضاريًّا بكل المقاييس؛ إذ كانوا يعبدون النار، ويُقَدِّسون ملوكهم (الأكاسرة)، معتقدين أن الدماء الإلهيَّة تسري فيهم، كما فشا فيهم الفساد الأخلاقي، حتى وصل الحال بهم إلى الزواج من محارمهم (البنات والأخوات)، وقد انقسم المجتمع أيضًا إلى سبع طبقات اجتماعيَّة تَتَرَتَّب تنازليًّا كما يلي: الأكاسرة، ثم الأشراف، ثم رجال الدين، ثم قواد الجيش، ثم المثقَّفين من الأطباء والأدباء والعلماء، ثم الدَّهَاقِين "رؤساء القبائل"، ثم عامَّة الشعب من الفلاَّحين والعمَّال والتُّجار والعبيد ويمثِّلون 90% من المجتمع، ومع ذلك فليس لهم حقوق مطلقًا [2]!!

وأمَّا أوربا فقد عاشت -قبل الإسلام وحتى الفتح الإسلامي- في صراعات وحروب مستمرَّة، وكانوا أبعد ما يكونون عن النظافة والأخلاق؛ ومن ذلك أنهم كانوا لا يَسْتَحِمُّونَ إلاَّ مَرَّةً في العام، كما انتشر بينهم الظلم والاضطهاد، وكان بعضهم يَحْرِقون الإنسان بعد موته، ويأتون بنسائه فيقتلونهن ويدفنونهن معه [3]!

وكذلك كان الوضع في الصين؛ فكانت فيها ثلاث ديانات هي: ديانة لاتسو [4]، وديانة كونفوشيوس [5]، وديانة بوذا [6]، وقد تحوَّل بوذا مع مرور الوقت من حكيم ومشرِّع وضعيٍّ إلى معبود لبعض أهل الصين على مدار السنين وحتى الآن، وصُنِعَتْ له التماثيل [7].

وأمَّا الهند فقد برزت فيها ثلاث ظواهر رئيسة هي: كثرة المعبودات والآلهة، فهم يعبدون أيَّ شيء من الكواكب إلى المعادن والحيوانات، ولا يزالون حتى اليوم يعبدون البقر، كما ظهرت لديهم الشهوة الجنسيَّة الجامحة، وكذلك النظام الطبقي الجائر، فقد قسموا المجتمع أربع طبقات: طبقة البراهمة وهم الكهنة والحكام، وطبقة شترى وهم رجال الحرب، وطبقة ويش وهم التجار والزرَّاع، وطبقة شودر وهم المنبوذون الذين هم أحطُّ من البهائم وأذلُّ من الكلاب، ويصرِّح القانون بأنه من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة دون أجر. كما كان من صنيعهم أنهم يَحْرِقُون الزوجة مع زوجها عندما يموت ويدفنونها معه، وإلاَّ فستبقى أَمَةً في البيت لتُصْبِحَ عُرْضَةً للإهانات والتجريح كلَّ يوم إلى أن تموت [8] .

أما اليهود فكانوا متركِّزين بالشَّام في ذلك الوقت، ولم يكن هناك أحد من الناس يحبُّ معاشرتهم؛ فهم في لحظات الضعف يُبْدُونَ الخنوع والنفاق والوقيعة والكذب، وفي لحظات القوَّة يُبْدُونَ التَّجَبُّر والظلم والوحشيَّة والربِّا، وكانوا على عداء دائم مع النصارى منذ زعموا أنهم قتلوا المسيح u، وكان تواجدهم في عهد رسول الله في شمال المدينة، وكانوا مُمْسِكِينَ بتلابيب التجارة وخاصَّة تجارة السلاح، وكانوا حريصين على نشر الخلاف بين القبائل، ولم يتجمَّعوا مع غيرهم إلا على محاربة المسلمين فيما بعد [9]!

وإذا جئنا إلى مصر؛ فقد كانت خاضعة للاحتلال الروماني الذي حَوَّلهَا إلى مخزنِ غلالٍ يَمُدُّ الإمبراطوريَّة الرومانيَّة بالغذاء، وقد فرض على المصريين ضرائب كثيرة، وعانت مصر في عهدهم تخلُّفًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا وعلميًّا كبيرًا، بل كان الرومان يعذِّبون مَن يختلف عنهم من المصريين في المعتَقَد الديني المذهبي، وإن كان الجميع تحت مِظَلَّة النصرانيَّة الأرثوذكسيَّة [10].

وكذلك كان الوضع في الحبشة (أثيوبيا)، والتي كانت تَدِينُ بالنصرانيَّة المحرَّفة [11]، بينما كانت حياتهم بُدَائِيَّة إلى حدٍّ كبير، رغم وجود قوَّة وجيش وسلاح، وفي عهد رسول الله r حكمهم "أصحمة" النجاشي، الذي كان عادلاً لا يُظْلَم عنده أحد.

أما العرب الذين بُعث فيهم رسول الله r فقد كان لديهم العديد من الأوثان والأصنام التي عبدوها من دون الله، وكان لكل بيت صنم ولكل قبيلة إله، كما ظهر عندهم الكثير من العادات الأخلاقيَّة السيِّئة، كشُرْبِ الخمر، ولعب الميسر، والربا، وتَفَشَّى الزنا بينهم تَفَشِّيًا كبيرًا، كما كان لديهم عادة بشعة هي "وأد البنات"، وكثرت بينهم أيضًا الحروب والنزاعات والإغارات، والتي سجَّل التاريخ منها حربي داحس والغبراء، والبسوس [12].

وعلى هذا الوضع كان حال العالم وحال جزيرة العرب قبل بَعثة النبي r، ولم يكن على الحقِّ إلا أفرادٌ قلائل جدًّا، مثل زيد بن عمرو بن نُفَيْل والد الصحابي سعيد بن زيد t، وكان حنيفيًّا على ملَّة إبراهيم u، وكذلك ورقة بن نَوْفَلٍ الذي كان قد تَنَصَّر، كما كان هناك قُسُّ بن ساعدة الذي كان يُبَشِّر بمجيء نبيٍّ، وقد أدرك النبيَّ بالفعل، لكنه لم يُدْرِك البعثة [13].

[1] للاستزادة في ذلك انظر مثلاً: أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص42-47.

[2] المصدر السابق ص56–64.

[3] السابق نفسه ص51، 52.

[4] هي ديانة سلبية تدعو للانعزال عن المجتمع.

[5] هي ديانة مادِّيَّة تهتم بالعقل ولا تهتم بالعبادة.

[6] ديانة ذات تعاليم أخلاقيَّة معيَّنة، وتدعو للبعد عن الناس والزهد في الحياة.

[7] أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص64-67.

[8] المصدر السابق ص68 –76.

[9] السابق نفسه ص52-55.

[10] انظر: جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، الفصل الرابع: "العرب في مصر" ص208، وأبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص47-50.

[11] أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص50.

[12] المصدر السابق ص76 -91، والمباركفوري: الرحيق المختوم ص48.

[13] انظر: سيرة ابن هشام 2/50.

نزول الوحي

في مكة تحديدًا، ودون أي بقعة أخرى من بقاع الأرض، وبالطبع لحكمة يعلمها الله U [14]، وفي لحظة فارقة وعجيبة في تاريخ البشريَّة، بل لعلَّها أعظم لحظة مرَّت في تاريخ الأرض وإلى يوم القيامة، في هذه اللحظة وفي هذا المكان ينزل الوحي على رسول الله r في غار حراء وهو يتعبد لله U؛ ليكون أرفع شرف، وأفضل مِنَّة، وأنبل تكريم للبشريَّة، حين يفيض الله من رحمته على أهل الأرض، فيُرسل إليهم رسولاً منهم، ويُكرمه بالنبوَّة، ويُنْزِل عليه جبريل بآيات من القرآن الكريم.

وقد كانت البداية لما حبَّب الله U إليه الخلوة؛ فكان r يخلو بربه ويعتكف في رمضان من كل سَنَة، ثم بدأت آثار النبوَّة تتبدَّى له، وكان منها سلام الحجر عليه [15]، كما كان منها وهو صغير حادث شقِّ الصدر، وقد ثبت في كتب السنة [16]، وكان من أهم المقدِّمات التي سبقت الوحي الرؤيا الصادقة؛ فكان رسول الله r لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستَّة أشهر ثم أتاه جبريل u، وكل ذلك كان إعدادًا وتهيئة لرسول الله r، بل ولأهل مكَّة من قريش وغيرهم، حتى يعلموا بعد ذلك أن هذا الإنسان يُوحَى إليه من عند الله.

وفي ذلك تروي السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ؛ فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ- قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: " مَا أَنَا بِقَارِئٍ". قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ". فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ)". فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ: " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي". فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: " لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي". فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا" [17].

ومن هذه القصة يتَّضح لنا أن رسول الله r بشر؛ فهو يخاف على نفسه فيعود مسرعًا إلى بيته طالبًا الأمان، كما أنه r لم يكن منتظرًا للرسالة أو متوقِّعًا للنبوَّة، كذلك نلمح في موقف السيدة خديجة رضي الله عنها موقف الزوجة الناصحة المُحِبَّة لزوجها الوفيَّة له.

الأمر بالتبليغ

ومن حكمة الله U أن الوحي انقطع بعد ذلك أيامًا عن رسول الله r؛ وذلك -كما يقول ابن حجر- ليَذْهَبَ ما كان r وَجَدَهُ من الرَّوْع، وليحصل له التشوُّف إلى العودة، فلما تقلَّصت ظلال الحَيْرَةِ، وثَبَتَتْ أعلام الحقيقة، وعرف r معرفة اليقين أنه أضحى نبيًّا للَّه الكبير المتعال، وأنَّ ما جاءه سفيرُ الوحي ينقُلُ إليه خبر السماء، كما أنبأه ورقة بن نوفل، وصار تشوُّفه وارتقابه لمجيء الوحي سببًا في ثباته واحتماله عندما يعود، جاءه جبريل للمرة الثانية [18]، وفي ذلك قال r: " بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} إِلَى قَوْلِهِ: { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1-5]" [19]. وكان هذا هو الأمر الواضح بالرسالة وبالتبليغ وبالإنذار؛ فتغيَّرت حالة النبي r من الشكِّ والارتياب وعدم التأكد من أمر النبوَّة إلى حالة من العزيمة والقوَّة والإصرار والنشاط، وهي بداءة الرحلة الطويلة الشاقَّة، رحلة التوحيد والدعوة إلى الله U.

ومن هنا كانت مرحلة الإعداد، أُولى المراحل في بناء الأُمَّة، وقد ظلَّت حتى غزوة بدر الكبرى، أي ما يقرب من خمسة عشر عامًا من عمر الدعوة، وكانت معظمها في مكة المكرمة، وقد بدأ فيها الرسول r في انتقاء الأفراد الصالحين لحمل هذه الأمانة الثقيلة، ونجح في تربيتهم وإعدادهم لهذه المهمة الضخمة، مهمة حمل الدين، ليس إلى أهل مكة أو إلى العرب فقط، بل إلى العالم أجمع.

الدعوة سرًّا

اتَّخذ رسول الله r منهجًا دعويًّا مهمًّا في بداية هذه المرحلة؛ فبدأ بأقرب الناس إليه وألصق الناس إليه، فدعا زوجته خديجة رضي الله عنها، ثم صديقه الصِّدِّيق أبي بكر t، ثم خادمه ومولاه زيد بن حارثة t، ثم ابن عمه علي بن أبي طالب، الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره، ولكلِّ واحدٍ منهم قصَّة تُرْوَى وحديثٌ يُذْكَر.

وقد كان من الحكمة أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرِّيَّة؛ وذلك لئلاَّ يُفَاجَأ أهلُ مكة بما هو جديد وغريب على معتقداتهم، وأيضًا حتى لا يُقضى على الدعوة في مهدها، وهو ما حدث في منهج الدعوة طيلة السنوات الثلاث الأولى من بدئها.

هذا، وقد نشط أبو بكر الصديق t للدعوة بإيجابيَّة شديدة منذ أول يوم أعلن فيه إسلامه، حتى أسلم على يديه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عُبَيْدِ اللَّه، وأبو عُبَيْدَةَ بن الجراح، وهم من العشرة المبشَّرين بالجنة، كما أسلم على يديه أيضًا عثمان بن مظعون، والأرقم بن أبي الأرقم، وأبو سلمة، إضافة إلى أهل بيته، وكذلك غلامه عامر بن فهيرة، والعبد الحبشي بلالُ بنُ رباحٍ الذي اشتراه ثم أعتقه [20].

وكان أهم ما يُمَيِّزُ هذه المرحلةَ السرِّيَّة الحذرُ الأمنيُّ الشديد، وقد بدا ذلك واضحًا في قصَّة إسلام بعض الصحابة، مثل عمرو بن عَبَسَةَ السُّلَمِيّ، وأبي ذَرٍّ الغفاري، وكان من مظاهر السرِّيَّة في ذلك الوقت أيضًا اجتماع الرسول r والصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم t ثلاث عشرة سنة دون أن يُكْتَشَفَ أمرهم، وقد اعتمد الرسول r في تربية المسلمين في هذه المرحلة على بناء العقيدة الصحيحة، وتعميق القيم الأخلاقيَّة الأصيلة.

الجهر بالدعوة

بعد ثلاث سنوات كاملة من الدعوة السرِّيَّة وزيادة عدد المسلمين إلى نحو الستِّين، أَذِن الله U لرسوله r بالجهر بالدعوة، لتبدأ نَقْلَة جديدة في مرحلة الإعداد، وفيها أُمر الرسول r بأن يبدأ بأقربائه ثم بقيَّة الناس، وهنا جمع الرسول r أقربائه وبلغوا خمسة وأربعين رجلاً ليدعوهم، إلا أن عمَّه أبا لهب ابتدره بقوله: "هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك، فتكلَّم ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة"، فسكت الرسول r ولم يتكلم في هذا الجمع.

ثم جمعهم r مرة ثانية وبادرهم بالحديث قائلاً: " الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأُؤْمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، ثم قال: إِنَّ الرَّائِدَ لاَ يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ عَامَّةً، وَاللَّهِ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَإِنَّهَا الْجَنَّةُ أَبَدًا أَوِ النَّارُ أَبَدًا". وهنا أعلن عمُّه أبو طالب أنه سيقف بجانبه ناصرًا ومؤيِّدًا إلا أنه لن يترك دين عبد المطلب، بينما كان موقف أبي لهب على العكس تمامًا حيث قال: "هذه والله السوأة، خذوا على يده قبل أن يأخذ غيركم" [21].

ثم نزل الأمر القرآني المباشر: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]، فكان ذلك إيذانًا بإعلان الدعوة للناس عامَّة، والإعراض عن المشركين، بمعنى عدم قتالهم وتجنُّب الصدام معهم، فاستجاب رسول الله r مباشرة، وخرج ينادي قبائل قريش جميعًا من على جبل الصفا، ويقول لهم: " أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنْ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغْيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟" قالوا: نعم؛ ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا. فقال r: " فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٌ" .

فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزل قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] [22].

وعلى الرغم من يقين مشركي مكة من صدق رسول الله r، ومعرفتهم أن ما جاء به هو الحق إلا أنهم لم يؤمنوا، وقد تعدَّدت الموانع في ذلك عندهم، ما بين مَن منعته التقاليد كأبي طالب، ومَن منعه الجبن كأبي لهب، ومن منعته القبلية كأبي جهل، ومن منعه الكبر والعناد، ومن منعه خوفه على ضياع السيادة والحُكم في قومه، وغير ذلك، وهم لم يكتفوا بهذا، بل بدءوا يُخَطِّطون ويُدَبِّرون للكَيْد لرسول الله r وللمسلمين، وسلكوا في ذلك سبلاً شتَّى ووسائل متعدِّدة، اتَّسمت المرحلة الأولى في ذلك بالسلم، ثم أخذت طابع المفاوضات، وانتهت بالإيذاء والتنكيل بالمؤمنين ليردُّوهم عن دينهم، والذي لم يَزد المسلمين إلا إصرارًا على الحقِّ، وصبرًا على الإيذاء، وضربوا في تلك المحنة أروع الآيات في الصبر وَتَحَمُّلِ الأذى في سبيل الله U.

وكان بلال بن رباح t ممَّن تَلَظَّى بسلسلة مضنية من التعذيب على يد أُمَيَّة بن خلف، وعلى نفس الدرب كان ياسر وزوجه سميَّة والدا عمار بن ياسر y، فقد وقعا تحت يدي رأس الكفر أبي جهل لعنه الله، فعذبهما تعذيبًا شديدًا حتى قُتِلا في بيت الله الحرام جَرَّاءَ التعذيب والتنكيل، ومثلهم كان خَبَّابُ بن الأَرَتِّ t، وكان المشركون يَجُرُّونَه من شعره ليضعوه على الفحم الأحمر الملتهب، ثم يضعون الصخرة العظيمة على صدره حتى لا يستطيع أن يقوم، وكذلك السيدة زِنِّيرَة والنَّهْدِيَّة وابنتها وأم عُبَيْسٍ رضي الله عنهن، حتى تحوَّلت مكة إلى سجن كبير تُهان فيه الإنسانيَّة، ويرتع فيه وحوش الكفر.

[14] لعلَّ من هذه الحكمة: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ ثقافي يُذْكَر، اللهم إلا ما تميَّزت به من سحر البيان والذي تجسَّد في نظم الشعر، ولعلَّ في هذا ما فيه من نقاء الرسالة الخاتمة وعدم تلويثها بما كان في البيئات والأمم الأخرى التي سادتها ثقافات متعدِّدة وفلسفات وضعيَّة خاصَّة. وأيضًا: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ عسكري ملموس؛ فلم يكن هناك ما يُعْرَف بالجيوش العربيَّة أو الجيش المنظَّم، بل كانت قبائل متفرِّقة لا تَعْرِفُ إلا حرب الإغارات والسطو، ثم لمَّا أسلموا دانت لهم الأرض، وذلت لهم القوى العظمى آنذاك، وتحوَّلوا من رعاة للغنم إلى قادة للأمم، وهو أمر معجز، ودليل دامغ على أنهم مؤيَّدون بتأييد الله U، وهو عكس ما لو نزلت الرسالة في بلدٍ له تاريخ عسكري طويل وعظيم ومنظَّم. كما أن لغة الجزيرة العربيَّة هي اللغة العربيَّة وهي أشرف اللغات، وهي لغة أهل الجنة، وبها نزل القرآن الكريم. وأيضًا فإن العرب وأهل مكة كانوا يؤمنون بالله، وإن اتخذوا الأصنام و الأوثان شفعاء، ولذلك فهم أقرب إلى الإسلام من غيرهم ممن جحدوا الألوهية وعبدوا غير الله. وهذا فضلاً عن صفات العرب وأخلاقهم التي تساعد على حمل الدعوة ونشر الرسالة، وهي مثل: الصدق، والكرم، والشجاعة، والصبر، وقوَّة التحمل.

[15] يقول النبي r: "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبِعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآن". انظر: مسلم: كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي r وتسليم الحجر عليه قبل النبوة (2277).

[16] وهو أن النبي قد شُقَّ صدره وهو غلام وأُخْرِجَ قلبه واستُخْرِجت علقة من قلبه، وقيل: هذا حظُّ الشيطان منك. ثم غسل قلبه في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَم صدر النبي. رواه مسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله r إلى السموات وفرض الصلوات (162).

[17] البخاري: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله r (3)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله r (160).

[18] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1/27.

[19] البخاري: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله r (4)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله r (161).

[20] الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/60، وابن كثير: البداية والنهاية 3/39، 40.

[21] انظر: شمس الدين الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 2/322، 323، وابن الأثير: الكامل في التاريخ 1/ 585.

[22] البخاري: كتاب التفسير، سورة الشعراء (4492)، عن ابن عباس

الجهر بالدعوة

بعد ثلاث سنوات كاملة من الدعوة السرِّيَّة وزيادة عدد المسلمين إلى نحو الستِّين، أَذِن الله U لرسوله r بالجهر بالدعوة، لتبدأ نَقْلَة جديدة في مرحلة الإعداد، وفيها أُمر الرسول r بأن يبدأ بأقربائه ثم بقيَّة الناس، وهنا جمع الرسول r أقربائه وبلغوا خمسة وأربعين رجلاً ليدعوهم، إلا أن عمَّه أبا لهب ابتدره بقوله: "هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك، فتكلَّم ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة"، فسكت الرسول r ولم يتكلم في هذا الجمع.

ثم جمعهم r مرة ثانية وبادرهم بالحديث قائلاً: " الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأُؤْمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، ثم قال: إِنَّ الرَّائِدَ لاَ يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ عَامَّةً، وَاللَّهِ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَإِنَّهَا الْجَنَّةُ أَبَدًا أَوِ النَّارُ أَبَدًا". وهنا أعلن عمُّه أبو طالب أنه سيقف بجانبه ناصرًا ومؤيِّدًا إلا أنه لن يترك دين عبد المطلب، بينما كان موقف أبي لهب على العكس تمامًا حيث قال: "هذه والله السوأة، خذوا على يده قبل أن يأخذ غيركم" [21].

ثم نزل الأمر القرآني المباشر: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]، فكان ذلك إيذانًا بإعلان الدعوة للناس عامَّة، والإعراض عن المشركين، بمعنى عدم قتالهم وتجنُّب الصدام معهم، فاستجاب رسول الله r مباشرة، وخرج ينادي قبائل قريش جميعًا من على جبل الصفا، ويقول لهم: " أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنْ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغْيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟" قالوا: نعم؛ ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا. فقال r: " فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٌ" .

فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزل قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] [22].

وعلى الرغم من يقين مشركي مكة من صدق رسول الله r، ومعرفتهم أن ما جاء به هو الحق إلا أنهم لم يؤمنوا، وقد تعدَّدت الموانع في ذلك عندهم، ما بين مَن منعته التقاليد كأبي طالب، ومَن منعه الجبن كأبي لهب، ومن منعته القبلية كأبي جهل، ومن منعه الكبر والعناد، ومن منعه خوفه على ضياع السيادة والحُكم في قومه، وغير ذلك، وهم لم يكتفوا بهذا، بل بدءوا يُخَطِّطون ويُدَبِّرون للكَيْد لرسول الله r وللمسلمين، وسلكوا في ذلك سبلاً شتَّى ووسائل متعدِّدة، اتَّسمت المرحلة الأولى في ذلك بالسلم، ثم أخذت طابع المفاوضات، وانتهت بالإيذاء والتنكيل بالمؤمنين ليردُّوهم عن دينهم، والذي لم يَزد المسلمين إلا إصرارًا على الحقِّ، وصبرًا على الإيذاء، وضربوا في تلك المحنة أروع الآيات في الصبر وَتَحَمُّلِ الأذى في سبيل الله U.

وكان بلال بن رباح t ممَّن تَلَظَّى بسلسلة مضنية من التعذيب على يد أُمَيَّة بن خلف، وعلى نفس الدرب كان ياسر وزوجه سميَّة والدا عمار بن ياسر y، فقد وقعا تحت يدي رأس الكفر أبي جهل لعنه الله، فعذبهما تعذيبًا شديدًا حتى قُتِلا في بيت الله الحرام جَرَّاءَ التعذيب والتنكيل، ومثلهم كان خَبَّابُ بن الأَرَتِّ t، وكان المشركون يَجُرُّونَه من شعره ليضعوه على الفحم الأحمر الملتهب، ثم يضعون الصخرة العظيمة على صدره حتى لا يستطيع أن يقوم، وكذلك السيدة زِنِّيرَة والنَّهْدِيَّة وابنتها وأم عُبَيْسٍ رضي الله عنهن، حتى تحوَّلت مكة إلى سجن كبير تُهان فيه الإنسانيَّة، ويرتع فيه وحوش الكفر.

[14] لعلَّ من هذه الحكمة: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ ثقافي يُذْكَر، اللهم إلا ما تميَّزت به من سحر البيان والذي تجسَّد في نظم الشعر، ولعلَّ في هذا ما فيه من نقاء الرسالة الخاتمة وعدم تلويثها بما كان في البيئات والأمم الأخرى التي سادتها ثقافات متعدِّدة وفلسفات وضعيَّة خاصَّة. وأيضًا: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ عسكري ملموس؛ فلم يكن هناك ما يُعْرَف بالجيوش العربيَّة أو الجيش المنظَّم، بل كانت قبائل متفرِّقة لا تَعْرِفُ إلا حرب الإغارات والسطو، ثم لمَّا أسلموا دانت لهم الأرض، وذلت لهم القوى العظمى آنذاك، وتحوَّلوا من رعاة للغنم إلى قادة للأمم، وهو أمر معجز، ودليل دامغ على أنهم مؤيَّدون بتأييد الله U، وهو عكس ما لو نزلت الرسالة في بلدٍ له تاريخ عسكري طويل وعظيم ومنظَّم. كما أن لغة الجزيرة العربيَّة هي اللغة العربيَّة وهي أشرف اللغات، وهي لغة أهل الجنة، وبها نزل القرآن الكريم. وأيضًا فإن العرب وأهل مكة كانوا يؤمنون بالله، وإن اتخذوا الأصنام و الأوثان شفعاء، ولذلك فهم أقرب إلى الإسلام من غيرهم ممن جحدوا الألوهية وعبدوا غير الله. وهذا فضلاً عن صفات العرب وأخلاقهم التي تساعد على حمل الدعوة ونشر الرسالة، وهي مثل: الصدق، والكرم، والشجاعة، والصبر، وقوَّة التحمل.

[15] يقول النبي r: "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبِعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآن". انظر: مسلم: كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي r وتسليم الحجر عليه قبل النبوة (2277).

[16] وهو أن النبي قد شُقَّ صدره وهو غلام وأُخْرِجَ قلبه واستُخْرِجت علقة من قلبه، وقيل: هذا حظُّ الشيطان منك. ثم غسل قلبه في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَم صدر النبي. رواه مسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله r إلى السموات وفرض الصلوات (162).

[17] البخاري: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله r (3)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله r (160).

[18] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1/27.

[19] البخاري: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله r (4)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله r (161).

[20] الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/60، وابن كثير: البداية والنهاية 3/39، 40.

[21] انظر: شمس الدين الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 2/322، 323، وابن الأثير: الكامل في التاريخ 1/ 585.

[22] البخاري: كتاب التفسير، سورة الشعراء (4492)، عن ابن عباس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتب السيرة النبوية الشريفة
» موسوعة الكترونية عن السيرة النبوية تشمل أبرز المؤلفات عنيت بسرد وتدوين سيرة النبي
» ستة صور لم تر مثلها في حياتك
» الموسووعة الكاملة للبحوث والمقالات ...
» كيف تفوز بوظيفة؟ ..فن كتابة السيرة الذاتية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى علاء الدين السابع الدولي لسفراء العلم والتميز  :: المنتدى الإسلامي العام :: الحديث و السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: