المشرفة صحبة الأخيار مشرفة
المزاج : المهنة : الهواية : البلد : الولاية أو البلدية : عين الدفلى عدد الرسائل : 361 العمــــر : 51 المستوى الدراسي : ليسانس علم النفس الإهتمامات : الحجامة والرقية الشرعية والمواضيع الاسلامية نقاط القوة: : 5453
| موضوع: ثـَـمـّـةَ في خَـلق الخالق الكـُرمــــــَــــاء الثلاثاء 19 فبراير 2013, 17:59 | |
| ثـَـمـّـةَ في خَـلق الخالق الكـُرمــــــَــــاء
ما أجحدهُ من رجلٍ عندما منحتهُ الأيام قدحَ القناعةِ و الأمان ، ليُبادلها النّخبَ بكـــأسِ الطمع و العصيـــــــان .
بات العالمُ في عينيهِ اللحظةَ مُجرد قشـّةٍ من صوفٍ تذروها رياحُ بيداءٍ غيرُ متناهيــة .
عن طاولةِ العشاء اِنعزلَ منفرداً ، بعينيهِ المتـّقدتين كان يتلصّصُ بالنّظر على زوجــــــته ، و هي المكسورةُ المنشغلةُ بإطعامِ طفلٍ بسمتـُهُ رُضابٌ يذوبُ بينَ قمصانِ البراءة .
همُّ الرّجل الآن اِسترجاع شريط هفواتِ زوجتهِ الصغيرة و الكبيرة ، لعلهُ ينتقي من بينها هفوةً واحدةً قد تكونُ لها علاقة بمحنتــه ، بالطبع حتى لا ينفردَ بمسؤوليةِ وضعهِ الراهن البائس .
وحدُها الزوجةُ من تفـقـَهُ أبجدية نظرات بَعـلِها ، و قمّةُ الحكمةِ أيضاً تقضي على أن تهداَ النفوسُ الثائرة في حضرة الأطفال ، مكتفية خلالها بحوار لِسانُه العين و أذنـُه النّظرات .
بدَورها الزوجة تخـلـّتْ عن لُقمةٍ كانت تريدُ بها سدّ الرّمق ، في صمتٍ بادلتهُ النظرة اللادغةَ بنقيضتها الوديعة ، مكروبةٌ بين ثناياها الكربُ غصّ ، محمومٌ فؤادُها من أغواره بُعثَ زفيرٌ من لون الجمر ، و العينُ الذابلةُ يغشوها بريقٌ من دَمع ، و لكأنّها ينبوعٌ ساكنٌ آنَ أوانُهُ لكي ينفجر .
مضتْ تُواسيهِ بوداعة نظراتها إذ لا جدوى من كلامٍ لن يحُدَّ وطأةَ الأشجان ، صمتٌ رهيبٌ عمّ و ساد إلا من صدًى كثيفٍ ما فتئ ينفخُ صدرها مردّداً : " ما أغربَك من رجلٍ عندما يمدحُ الناسُ فضائلـَكَ في حينٍ وضعتَ نفسكَ و أسرتك في موضع شماتةٍ لا يُحمدُ عقباها ، كنتَ الإسكافيَ القنوعَ قبل سنةٍ مضتْ ، بشوشاً تُنشدُ خبزَ أهلِكَ في الصباح ، مترنّماً على أوتار القناعةِ تطرُقُ بيتَكَ في المساء . ما كان للسجان أن يكون بستانياً ، و ما كان للإسكافيّ أن يكون رجل أعمالٍ ناجح . أيّ مشاريع تلك لا عهدَ لك بها وقد وضعتـْك بين عشيةٍ و ضحاها بين سنــدام القهر و مطرقةِ الدّيــــون ؟؟
--- غداً آخرُ أجل لتسديدِ ديوني و إلا ...، رباه ! عليّ الذهاب إلى بيت الدّائن لعله يمهلني مُهلة ثالثـــــة .
هكذا ردّدَ الزوجُ بحسرةٍ منسحباً من بيته إلى الخارج .
دقّ البوابة البلـّورية الفخمة ، حيث يقطن أميرُ الرّبا الذي أقرضه الأموال من أجل مشاريع باءت بالخسران الفظيع . فُتح البابُ لتظهرَ بين مصراعيه اِمرأةٌ ناضجةٌ من لون الصيفِ قوائمُها ، جيدُها الأبيضُ عقدٌ ثمينٌ من لآلئ ، زندُها الأملسُ أساورٌ من نجوم ، من وراءِ ابتسامتها العريضة ثغرٌ أريجُه فوحُ النبيد .
قالت مرحبة مبتسمة : تفضل بالدخول ! سيدي يعلمُ بتواجدك من خلال كاميرا المراقبة .
دخل متعثرًا هائماً بين فــتنةِِ جسدٍ قـــِـوامُهُ السّوسنُ الأصيل ، و بين قهر دائِـــنٍ مبدأهُ الدّرهمُ الصّـليل .
مِن على أريكتِهِ صاح الدائنُ مُرحباً و عن جنبهِ عشيقتهُ الساقية :
--- أهلا بأمير الأساكفة ! أخيراً أتيتَ لتسديدِ ما عليكَ من ديْن !
أجابَ الرجلُ مـُتلعثماً و قد أجهشَ نبرَتـَه البـُكاء :
إنما الأميرُ يا سيدي ، ذاكَ الذي تاجَهُ على رؤوس المكروبين ، ذاك الذي يُؤمنُ أني لستُ بالمحتال و لا النـّصاب ، إنما السّاذج الذي أتى على أن يطيرَ بجناحين ليسَا مِن قياس هُزاله . أستحلفك بطِفلٍ لي لا مُعيل له ، من أبيه فقط ألِفَ عُلبة حلوى كل حين ، فـلـْتـُمهلني مُهلة أخرى لعلي أتدبّرُ أمرَ ديوني ، فـثمـّة في خلق الخالق الكرمـــــاء .
أبشعُ قاتل بريء من يسألكَ حاجتَـَهُ لحظة فقدانها منك ، عنيفة هي لغة الملامح ساعتها ، عينٌ جاحظة و شاربٌ يهتزّ ، ترحيبٌ متفاءلٌ بين قمصان الغضب يغيب ، كشبح مُرعبٍ مِزاجُهُ الرّقصُ على طاولة القهر صاحَ الدائنُ في وجهِ رفيقـتِه :
---" أوووف ، كم هو خطأ فادحٌ حين موّلتُ حثالة كمثل هذا ، اِسمعي يا امرأة ، جهّزي لهُ علبة حلوى لِيجــــدَ ما يُسكتُ به اِبنـَهُ صبيحة أخذِهِ إلى السّجن ، و لتـُرافــقيهِ إلى الباب اللحظــة و إلا.."
لم يبقَ من مأساة القصةِ غيرُ فاجعَةِ رجُلٍ أملُ نجاتِهِ من مُحال ، صباحُ غدِهِ من نكاد .
خائبا دخل بيتـَهُ و قد زادت عُلبة الحلوى شوكة مُضناه ، غشى الظلامُ نواظرَ عيناه ، ليُلاقيه إبنُـهُ في المدخل مُبتهجاً مُنشِداً كالعادة :" يا بابا جابْـلي بُنـْبون ، ربّي دِّيـهْ نورَ لْـعُيون "
بأنامل مرتعدةٍ ربـّتَ على رأس طفله :
" سأمـُدّ صغيري حلوى اليوم ، و حلوى الغدِ يا بنيّ في دكـّانِ ربٍّ لن ينســـاك "
فتَحَ العُلبة فمـدّهُ الأولى فكانت بسكوتة ، ثم الثانية فكانت شكلاطة ، و الغريبُ أنّ الثالثة كانت عِقدَ اللؤلؤ الثمين ، أمّا الرابعة فكانت عبارة كـُتِبتْ على واجهةِ العُلبة الداخلية :
"""" حتـى لا يُقـــال أنـّـــهُ لـمْ يَــعدْ فــي خلــق الخالق الكـُرمـــاء """"
حملَ الرّجلُ العِقــدَ غير مصدّق يُناجيــــه : " أيتها العشيقــة ، يا ناسجة الخلاص من تلابيب القهر ، يا ماسحة الدّمع بمناديل الليـــل ، و كأني بِكِ و الله تُخاطبينَ ضـُعفي و قِلـّة حيلتي مزمجرة في وجهي : " أيها الإسكافيّ ، إن كنتَ سبـّحتَ المولى بدموع النـّدم ، فأظـنـّـهُ استجابَ لكَ لِيكـُفُّ عنزوجتِكَ دمعَ الحسرات ، و يضمنَ لوحيدِكَ عُلبَ المُسَكـَّرات ، هو ذا بين يديكَ كأسُ الراح يَدحرُ عن فؤادِكَ حنظلَ الأتراح ، فاترُكْ عنكَ قـُنـَنَ الرّغبات ما دُمتَ غيرُ ناضج لِتسلـّقِ القِمـَمِ الشـّاهِقـَــــــــــــــــــات ". | |
|