النقد الأدبي أزمة هوية أم أزمة منهج؟

لن أحاول في هذه العجالة تقمص صفة الباحث والناقد الأدبي الفذ الحصيف،فمنتهى ما أصبو إليه لا يعدو إثارة هذه القضية وبعثها مجددا،في وقت استنامت فيه أكثر ضمائر الدارسين عربا وأجانب إلى مقولة"علمية النقد الأدبي" والتركيز على "علم النص" و"التحليل المحايث" و"المنهج" بصورة يتجلى معها الإبداع الأدبي على مستوى التحليل كما لو أنه بات "أسير" نسق معرفي محدد وثابت.وبات المعطى اللغوي للنص الأدبي هو عماد الدراسة والتحليل بوصفه الجانب القابل للوصف والدراسة والتفسير بعيدا عن السياق الخارجي بكا تمظهراته التاريخية والنفسية والاجتماعية....
ولست أزعم ـ ولا شك ـ خطلا مطلقا في هذه النظرية التي تمثل زاوية نظر في تحليل النص،ولكنني أود مع ذلك أن أثير مع القراء جملة من القضا الجزئية في هذا الأطار:
1ـ المنهج في النقد الأدبي نظرية وليس علما:
مما يحز في النفس في ساحتنا النقدية العربية وبشكل خاص في نقدنا الأكاديمي من على المنابر الجامعية أن نلحظ ذلك القدر الهائل من "الدعاية" و"الترويج" للمناهج النقدية الحداثية والموسومة في أدبياتنا بالمناهج النصية،بالحرص المبالغ فيه على التأصيل لها والإمعان في تقدير أصالتها مع التنكر المسرف لما بات معدودا في خانة البائد وأقصد بذلك المناهج السياقية؛وليس من خطأ في العرض المنهجي والأكاديمي لمنهج من المناهج مهما كانت طبيعته،ولا مشاحاة في المثاقفة، ولكن الداء العليل والخطب الثقيل كامن "الولاء" الذي يصل إلى درجة التعصب لهطا المنهج أو ذاك،مع أن المبدأ السليم في هذا الفضاء الذي هو النقد الأدبي قائم على اعتبار المنهج النقدي "نظرية" لا علما قواعديا صرفا،وإلا فما الفرق بين هذا النوع من المنهج ذي الطبيعة المعيارية المنغلقة على خطوات وأدوات إجرائية نمطية والنقد الكلاسيكي؟ ثم كيف نستلذ أن يكون وجودنا المعرفي في الساحة النقدية العالمية مجرد صدى للآخر نحاكي مقولاته ونرددها جاهزة ونتعسف أحيانا في تطبيقها على نصوصنا مهملين كل خصوصية؟
المتتبع لمسيرة النقد الأدبي قديمه وحديثه يلحظ بشكل عام أنها قامت على فكرة التطور المفيد لمعنى التجدد والمواكبة للمتغيرات على الساحتين الإبداعية والعامة،لكن الثابت على مستوى مسيرة النقد الغربي وبدءا من الرومانسية أن فكرة القطيعة ترسخت بشكل أعمق وأخطر من أي وقت مضى،وأصبح كل مذهب أدبي ونقدي جديد يستند معرفيا على هجر كل مقولات المذهب السابق له،إن الانطلاق من الحاضر الرافض وحده والكفر بما سبقه على مستوى معرفي هو أشبه باعتبار بداية بناء ما تنطلق من سقفه أو وسطه أو قمته حتى وإهمال كل أساس أو قاعدة له وهذا في نفسه خلل فادح لأن الصرح الحضاري والثقافي الإنساني صرح تراكمي مندمج ومتلاحم تاريخيا؛والاعتداد بالمعطى اللغوي وحده من العمل الأدبي مظهر لأدبية الأدب أو سواها من الشعارات الأخرى لا يخلو بدوره من عيوب تعتوره وبالجملة فمن المتعذر أن نتحدث عن علم للنقد ومن الأصوب أن نتحدث عن نظرية للنقد لأن المنهج بشخصيته العلمية محيل على فكرة القواعدية وهذا الجانب منه يصدق على دراسة الظواهر الثابتة،أما الظواهر المتطورة في الزمان والمكان كالظواهر الأدبية مثلا فمن المتعذر أن نحتكم فيها إلى قواعد ثابتة فالعلمنة بهذا المعنى هي ليست تصورا يسئ إلى النقد من حيث طبيعته ومفهومه فقط ولكنها تشوه الأدب نفسه والإبداع حين تفكر في الزج به ضمن أطر محددة.
لأجل ذلك نثير هذا التساؤل مجددا :هل أزمة النقد هي أزمة هوية أم أزمة منهج؟
أخشى أن أقول إن أزمة النقد اليوم مصدرها أنه لم يقتنع بنفسه كوجود فاضطر أمام شعور بالنقص أمام العلم إلى محاكاة العلم.شأن كل مراهق يستشعر نقصه عقليا وبدنيا واجتماعيا فيداري "خيبته" بالانخراط طوعيا في خدمة نموذج يحظى بالإعجاب والحضور القوي اللافت إنه شكل من أشكال المحافظة على البقاء في بيئة يحكمها الصراع.
ولعل الغريب والطريف في الوقت نفسه أن نلحظ أن ظاهرة التداخل ظلت تطبع النقد الأدبي في عهدين بينهما أكبر التفاوت والاختلاف:
ـ عهد وصف بأنه طور للسذاجة والعفوية و"البدائية" ومثاله النقد العربي في العصر الجاهلي،حين كان هذا النقد نفسه قاصرا عن توظيف مصطلحاته الخاصة فيضطر إلى شيء من الاستجلاب والاستلحاق من بيئات أخرى ويميل إلى اللغة الإنشائية البيانية في التعبير عن مضمون الحكم النقدي فنقع فيه مثلا على ألفاظ وعبارات من قبيل:لحم نيء- مزادة ـ أحكم خرزها ـ أنضج ـ سمط ـ برود يمانية ...ألفاظ توظف في مقام نقد الشعر وتقويمه ولكنها مستفادة من بيئات غير أدبية،فقتحقق قدر من التداخل بين النقد وبيئات أخرى على مستوى المصطلح،ولكن اللافت هنا رغم ذلك هو بقاء تلك البيئات دائما بألفاظها الموظفة مصطلحات "منتدبة" لتأدية وظيفة هي الإبانة والتوضيح ولم تتأهل يوما لتغطي على النقد الأدبي وتذيبه فيها ويغدو هي التابع لها.
- ثم يأتي عهد لاحق وبعد زمن طويل جدا لنلحظ نفس الظاهرة ولكن بتعقيد كبير هذه المرة راح النقد الأدبي ينحت من التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس والكيمياء والفلسفة.... وجاءت على النقد الأدبي لحظة فقد فيها الشعور بوجوده وأنكر ذاته ولم يعيها إلى داخل حقل جديد هو العلم.فبات في الواقع يعاني أزمة هوية لا أزمة منهج إي إن السؤال الجدير بالطرح مجددا هو :ماهو النقد وليس ما هو النقد المنهجي فقط؟
من الجميل أن يثور النقد من أجل أن يفتك اعترافا به ككيان قام بذاته ولكن من المؤسف أن يثور النقد على نفسه ويتنكر لذاته من أجل إرضاء موضة هي المنهج العلمي

1.تاريخ النقد

النقد الأدبي أزمة هوية أم أزمة منهج؟ 650269930

شكرا لك أستاذنا الفاضل على الطرح المميز
وفقك الله وسدد خطاك

النقد الأدبي أزمة هوية أم أزمة منهج؟ 984495496

النقد الأدبي أزمة هوية أم أزمة منهج؟ 3232987807

» مقدمة في النقد الأدبي العربي الحديث
» مساهمة المعتزلة في النقد
» نظرية التناص في النقد العربي المعاصر
» المنهجية العلمية للبحث الأدبي
» المنهجية العلمية للبحث الأدبي