[rtl]العلم في خدمة البشرية[/rtl]
[rtl]وككل سنة، تحتفل الجزائر يوم 16 أبريل بذكرى يوم العلم تخليدا لذكرى وفاة رائد النهضة الجزائرية الحديثة العلامة المصلح المجدد الشيخ عبد الحميد بن باديس تكريما لروحه وتحصينا للمبادئ الإسلامية والقيم الرفيعة التي غرسها مع أصحابه العلماء في المجتمع والاعتزاز بها، واقتداء بالقرآن الكريم وهو أعظم كتاب، إذ أشاد بالعلم وأهله، ورفع قدر "أولى العلم، و العالمين"، ونوه بمكانة "الذين أوتوا العلم ".[/rtl]
[rtl] تكون المناسبة لسرد فضائل العلم ومأثر العلماء وذكر فضلهم. وفي ضوء هذه المقدمات وعبر هذه الورقة الوجيزة نقدم لمحة عامةً عمّا يشكّل توضيحا لمكانة العلم وفضل العلماء وبيان مخاطر الجهل والمضي في مسالكه.. و من المفيد كأولى خطوات ما يلزم في هذا المقام طرح السؤال التالي[/rtl]
[rtl] مـا هــــــو العلـــم ؟[/rtl]
[rtl]قبل التفصيل في الجواب وبتعريف أكثر تحديدًا، نقول إن تعريف العلم في اللغة العربية له معاني عديدة بينها اختلاف كبير نذكر منها:[/rtl]
[rtl]
-العِلم كمرادف للمعرفة (إدراك الشيء بحقيقته)، ونقيضه الجهل. قال تعالى أَفَرَأَيْتَ الّذِي تَوَلّىَ 33 وَأَعْطَىَ قَلِيلاً وَأَكْدَىَ 34 أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى 35) (سورة النجم)[/rtl]
[rtl]. -العِلم كمرادف، لليقين ونقيض للشّك والظن ) قال تعالى: (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ 5 لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمْ 6) (التكاثر )[/rtl]
[rtl]العِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي دون سواه أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة.[/rtl]
[rtl]ما يجعله مبدأ المعرفة وعكسه الجهل، وحصول العلم يعني إدراك الشيءِ على ما هو عليه إدراكًا جازما، وقد ظل المصطلح في سياقه التاريخي العام يشمل مجالات متنوعة للمعرفة وذات مناهج مختلفة مثل علوم الدين وعلم الموسيقى وعلم الفلك وعلم النحو وعلم النفس والرياضيات وعلم البصريات والطب وعلوم الاقتصاد والتجارة والسياسة وعلوم البحار وغيرها من فضاءات البحث في مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع أو ظاهرة ما و تعالج بمنهج معين ينتهي إلى وضع قواعد ونظريات وقوانين ترتب الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الموافق للمتوقع فتزداد قوة العقل وتعم، وبذلك يكون العِلمُ هُوَ الأَساسُ الأَعظم لِجَميعِ المعَامَلاتِ، والشرطُ اللازم لِصدق الأقوال وصِحَّةِ الأَعْمالِ وعَامَةِ التوجهات والتَصَرُّفاتِ، ومِفْتاحُ بابِ كُلِ العِباداتِ والطَّاعاتِ.[/rtl]
[rtl] فَوائِدُ العِلمِ أَكْثَر مِن أَن تُحْصَر [/rtl]
[rtl] إِنَّ العِلمَ يَنفَعُ النَّاسَ أَكثَرَ من غَيرِهِ من الابداعات والممتلكات، وحاجتهم إِلَيهِ أَعظَمُ مِن حاجَتِهِم إِلى الطَّعامِ والشَّرابِ، قال الإمامُ أَحمَدُ رَحِمَهُ اللهُ : " النَّاسُ إِلى العِلمِ أَحْوَجُ مِنْهُم إِلى الطَّعامِ والشَّرابِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يَحتاجُ إِلى الطَّعامِ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ وحاجَتُهُ إِلى العِلمِ بِعَدَدِ أَنْفاسِهِ" والعلم نُورٌ يُهْتَدَى بِهِ في ظُلُماتِ الشُّكُوكِ والجَهالاتِ، وسَكِيَنةٌ لِلقُلوبِ والنُّفوسِ، وحافِظٌها مِن كُلِّ ما يَشُوبُها ويُشَوِّهُها مِنَ الشُّبُهات والشَّهَوات. والعصر الذى نعيشه هو عصر التقدم العلمي، ففيه ظهرت الكثير من المخترعات الحديثة وقدم العلم للبشرية خدمات جليلة في مختلف المجالات فبفضله أستطاع الإنسان أن يخترع الآلات والأجهزة التي تحقق له الراحة و السعادة، وترفع من قدرة انتاج حاجياته. وبه استطاع أن يتعرف على كل ما يدور حولنا من أخبار و أحداث وتغيرات فاكتشف الكثير من الأمراض وابتكار وسائل وطرق العلاج المناسبة، واطلع على ما وراء البحار.[/rtl]
[rtl]ففي سورة الرحمن عروس القرآن*1وما تضمنته من لمسات رحمته، وعظيم آلائه نجد فيما استعرضته عددا من آيات الله الكونية المبهرة للاستدلال علي عظيم آلائه، وعميم فضله علي عباده كــ ( جريان كل من الشمس والقمر بحساب دقيق كرمز لدقة حـركة كل أجرام السـماء بذاتها، وفي مجموعاتها، وبجـزيئاتهــا، وذراتها، ولبناتها الأولية) نقرأ في أولها: (بسم الله الرحمن الرحيم: 1 الرَّحْمَنُ 2عَلَّمَ الْقُرْآنَ3 خَلَقَ الإِنسَانَ 4 وعلَّمَهُ الْبَيَانَ ..)[/rtl]
[rtl]وجـــوب طلـب العلــم.[/rtl]
[rtl]ولَمَّا كانَتْ فَوائِدُ العِلمِ أَكْثَر مِن أَن تُحْصَر وأَشْهَر مِن أَنْ تذكر تعرف ولا تُنْكَر، أَمَرَ اللهُ العِبادَ بالتَعلُّمِ، وأَمَرَ أَشْرَفَ الخَلْقِ ،محمد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بالاستِزَادَةِ مِنْهُ .قال تَعالى :﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾[طه: ١١٤]ما جعله يحث أمته على طلب العلم: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ) رواه ابن ماجة من حديث أنس بْنِ مَالِكٍ وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة . والمقصود بالعلم هنا هو العلم الذي لا يُعذر العبد في الجهل به. فكان طلب العلم من أشرف الأعمال وأجل العبادات التي يتقرب بها إلى رب الأرض والسموات، وقد تواترت الآيات والأحاديث بفضله وجلالة قدره. قال سبحانه و تعالى:{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[ 18سورة آل عمران].[/rtl]
[rtl]إن القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة بيَّنَا منزلةَ العلم الرَّفيعةَ، ومَقامَه العالي، كما دعا القُرآن والسُّنَّةُ إلى الأخْذ به، والحث عليه، ومعرفة أسباب تحصيله وجمعه، والتي تتمثَّل أسباب ثلاثة تمكن الإنسان من العِلم الصحيح والمعرفة النافعة:[/rtl]
[rtl]أ- القراءة.[/rtl]
[rtl]ب- النظَر والتفكُّر في ملكوت السموات والأرض.[/rtl]
[rtl]ج- السَّير في الأرض.[/rtl]
[rtl] ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ 2 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ 4 عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 5﴾ (سورة العلق: 1 – 5)[/rtl]
[rtl]وقوله تعالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ (الأعراف: 185).[/rtl]
[rtl]﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ (ق: 6).[/rtl]
[rtl] إن دراسة العلوم الدنيوية (الكونيَّة و الإنسانيَّة)،عُلوم الطبيعة، والكيمياء، والفلك، والأحياء والنبات، والنفس والاجتماع، والتاريخ العام.. لا تقلُّ في أهميَّتها عن دِراسة العلوم الشرعيَّة.[/rtl]
[rtl]قال تعالى : ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ 1 وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ 2 تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ 3 وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ 4 وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ 5رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ 6﴾(سورة ق: 6 – 11).[/rtl]
[rtl]وما الدعوة القُرآنيَّة إلى طلب العلم وتتبع أسباب تحصيله إلا لأنَّ العلمَ من المصالح الضَّروريَّة التي تقومُ عليها حياة الأمَّة، بمجموعها وآحادها، فحاجتنا إليه لا تقلُّ عن حاجتنا إلى المأكل والمشرب، والملبس والدَّواء؛ إذ به قوام الدِّين والدنيا فلا يستقيمُ نظامُ الحياة مع الإخْلال بأولى مصالها، بحيث لو غابت تلك المصالح الضروريَّة لآل حالُ الأمَّة إلى الفَساد، ولحادَت عن الطريق الذي أرادَه لها الخالق وضاعت مآربها.[/rtl]
[rtl]ولأن العلم حماية القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف. و به يبلغ العبد منازل الأحرار، ومجالسة الملوك، والدرجات العلا في الدنيا والآخرة، والفكر به ينفع الأنام، وبه يعرف الحلال من الحرام ويطاع الله عز وجل، هو إمام العمل، والعمل تابع له. [/rtl]
[rtl]مكـــانــة العلمـــاء.[/rtl]
[rtl]إن العلم من أجل الفضائل، وأشرف المزايا، وأعز ما يتحلى به الإنسان، فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأمم، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة، ورائدها إلى السعادة الأبدية وشرف الدارين والعلماء هم حملته وخزنته،[/rtl]
[rtl]
وقد أمرنا الله جلت قدرته ووسع علمه بتعلم العلم، فقالفَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (محمد:19)، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. ورفع أهل العلم على سائر الناس لما حصلوه من العلم فقال جل وعلا ﴿يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11] [/rtl]
[rtl]وأمر بالرجوع اليهم عند الحاجة فقال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل:43) والأمر أمر إيجاب فيما لا يسع المسلم جهله، ومدح حملة العلم وأثنى عليهم بما يحمل القلوب الواعية، والعقول المفكرة، بسلوك منهاج العلماء، وتأهيل النفوس تأهيلاً يكسبها شرف العلماء ويحلها مكانتهم يقول - سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الرعد:19].[/rtl]
[rtl]لا شك أن دور العلماء والمفكرين والكتاب والمخترعين، دور عظيم، فهم الذين يصلحون ما أفسد الناس ويجتهدون في توجيه الانسانية إلى الخير وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضلهم فقال: " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم .ثم تلا الآية (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، إن الله وملائكته وأهل مساواته وأراضيه والنون في البحر يصلون على الذين يعلمون الناس الخير" {أخرجه الدارمي في مقدمة سننه}.واختلاف القدرات العلمية قال صلى الله عليه وسلم: "إن مثل ما بعثني الله به -عز وجل- من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجاديب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلاً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" أخرجه البخاري في الفضائل في صحيحه*2.[/rtl]
[rtl]وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 27-28 .[/rtl]
[rtl]والمقصود بالعلماء في هذه الآية علماء الكون والماء والنبات والجبال والناس والدَّواب والحيوانات، لا علماء الشريعة العارفين بالصلاة والصيام والزكاة والحج... فقط.[/rtl]
[rtl]لقد تحدث البعض عن ازدواجية فعالية العلم فقالوا أنه سلاح ذو حدين وهو مالم يستسغه غيرهم...فإذا كان العلماء هم ورثة الأنبياء فمن المؤلم أن يترك الرويبضة يقدح في علماء الأمه يذم فضلائها فيكفر أعلامها، يتفيقه ويدير الكلام على لسانه دوران الحمار بالرحى.*3[/rtl]
[rtl]العلم سلاح ذو حدين.[/rtl]
[rtl]إذا التفتنا الآن إلى محتوى المثل القائل العلم سلاح ذو حدين، الذي يبدو غريبا، سنجد فيه عودا الى التنبيه إلى انه ليس هناك أحد من العلماء يتعمد الاخلال بهدف علمه لكنه الخطأ، وخطأُ العالمِ ليس سالباً منه مقامه، فلو نظرنا في كتبِ التراجُمِ لرأينا كثيراً من العلماء وَقَعَ في أخطاء كثيرةٍ لم يُسْقَطْ مقامهم بسببه أو كان لعلمه مخالفة لهدفه وندم ولم تسقط مقامه كـ: مكتشف الديناميت ’ألفريد نوبل’ الذي جمع مالا كثيراً من خلال هذا الاكتشاف، وبعد أن كتشف انه يستخدم في اعمال اجراميه خصص جائزه تمنح لمن يحقق انجازاً علمياً يفيد البشرية سلميا وكل ذلك لم ينزل من قيمته كعالم. والأمثلة كثيرة، فمنذ تطور العلوم وتقدم الصناعات أصبح توفر الوسائل التكنولوجية أحد أهم العوامل في تطور المجتمع الإنساني واتيحت فرص كبيرة لتطوير المقدرة التنافسية لدى الانسان بزيادة الإمكانيات، و هو تقدم يشهد في الوقت الحاضر كثير من الإيجابيات، لكن الآثار السلبية التي تركت بصماتها على الإنسان فأصبحت التكنولوجيا وهي أهم التطبيقات العلمية سلاح ذو حدين، فالوسائل والقنوات الفضائية وغيرها سهلت سبل المعرفة والاتصال وفي المقابل استغلها البعض استغلالا سيئاُ خرج بها عن الهدف الذي أنشئت لأجله وهكذا ..فصار العالم عند مفترق طرق، وهناك مؤشرات على أن عالمنا يقف اليوم إزاء العلوم الحيوية نفس موقفه في سنوات الأربعينات وما بعدها من العلوم النووية. ويواجه الاختيار بين ممارسة السيطرة الملائمة والعملية على هذه التطورات لمنع استخدامها على نحو عدائي، أو السماح لها بالانتشار بطريقة غير مقيّدة أو خطرة.[/rtl]
[rtl]إن مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في مجالات خدمة البشرية لا يمكن حصرها غير ان ما نراه من تسابق الأمم لامتلاك الطاقة النووية للأسف ليس من اجل الاستخدامات السلمية وهنا تكن خطورة التطبيقات العلمية فالذرة التي يمكن استخدامها في الصناعة أو شق قناة أو نفق أو إنارة مدن أو إدارة الآت هي نفسها المستعملة لتدمير مدن بكاملها أو إزالة الحياة منها ذلك أن العلم غاية عظيمة في خدمة الانسان والمجتمع، لكنها الغاية التي لن تتحقق قط الا اذا اقترن العلم بالأخلاق والتواضع والتأني والشك الدائم بحثا عن الحقيقة، فالأخلاق هي الملاذ الآمن في متاهات غابة من العلم لا تكف أشجارها عن تغيير طبيعتها وأماكنها باستمرار.[/rtl]
[rtl] فالمهم إذاً هو كيف نستطيع ان نوظف العلم لخير البشرية لا لدمارها، إن وضعت مستحدثات العلم أو كان الانحراف بتطوراته لأغراض عدائية يمكن أن تكون كارثية. والمدموم هو قبول كل ما يصدر عن العالم أو تتوصل الى ابداعة أنامل الخبير من غير وضعه في ميزان الأخلاق.[/rtl]
[rtl] يقول ابن القيّم: ( العالِم يزِلُّ و لا بُدَّ، إذ لَيسَ بمعصومٍ ، فلا يجوز قبول كلِّ ما يقوله، و يُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمَّه كلّ عالِم على وجه الأرض، و حرَّموه، و ذمُّوا أهلَه )*4.[/rtl]
[rtl]وانطلاقا من هذا القول لا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل منها أن زلة العالم لا يصح اعتمادها ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع أو حقيقة العلم ولذلك عدت زلة وإلا فلو كانت معتدا بها لما جعلت لها هذه الرتبة ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها. كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ولا أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين والدنيا.[/rtl]
[rtl]الهوامش:[/rtl]
[rtl]*1 ذكره السيوطي في الإتقان في علوم القرآن، لما رواه البيهقي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن.[/rtl]
[rtl]*2 الرجل التافه ينطق في أمر العامة.[/rtl]
[rtl]*3 رواه البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علم وعلم 1/175، ومسلم كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، في 4/787 برقم 2282.[/rtl]
4* إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/173): محمد بن أبي بكر الزرعي (ابن قيم الجوزية ) دار الكتب العلمية 1411هـ/1991م