بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كثيرا وكفى والصلاة والسلام على والمصطفى
[b]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نصائح غالية دونها القرآن العظيم وتُتلى إلى ما شاء الله تعالى, تلك التي أوصى بها لقمان الحكيم ابنه في هذه الآيات الكريمات: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله, إن الشرك لظلم عظيم.ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير، وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون. يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أوفي السماوات أو في الأرض يأت بها الله، إن الله لطيف خبير. يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر, واصبر على ما أصابك,ان ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا , إن الله لا يحب كل مختال فخور, واقصد في مشيك واغضض من صوتك, إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}.من سورة لقمان..الآيات.
إن هذه الآيات الكريمات من سورة لقمان تنضَحْن بمعاني سامية جليلة, وبدروس في التربية الإسلامية غاية في الرقي والسمو والتحضر كأنها ُزْبدة ما يسمونه اليوم بلغة العصر:علم التربية الحديثة والبيداغوجيا. إن من أهم أهداف التربية تعريف الفرد بخالقه وبناء العلاقة بينهما على أساس ربانية الخالق وعبودية المخلوق وإعداد الفرد للحياة الآخرة، وكذلك تطوير وتهذيب سلوك الفرد وتنمية أفكاره وتوجيهه لحمل الرسالة الإسلامية إلى العالم, وغرس الإيمان بوحدة الإنسانية والمساواة بين البشر والتفاضل لا يكون إلا بالتقوى, كما تسعى التربية الإسلامية السليمة إلى تحقيق النمو المتكامل المتوازن للطفل في جميع جوانب شخصيته، وهذا غيض من فيض جاء في مجمل وصايا العبد الحكيم لقمان لابنه وهو يعظه في القرآن الكريم، ولقد جاء في الأخبار والروايات الكثير من لآلئ المعاني التي سطرها التاريخ وهي تخرج كالدرر النفيسة من في لقمان إلى أذني ابنه وقبلهما إلى عقله وقلبه..ومن بين هذه المعاني السامية والراقية في الأخلاق والسلوك الناضج القويم ما قاله:
*( يابني إذا جلست لذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل, فلعله يأتيه من هو آثر عنده منك فينحيك فيكون نقصا عليك).
* ( ابني.. إن أردت أن تواخي رجلا, فأغضبه فان أنصفك في غضبه وإلا فدعه.)
* ( يا بني لا تضحك من غير عجب ولا تمشي في غير أدب ولا تسأل عما لا يعنيك.).
وعن خالد الربيعي أن لقمان كان عبدا حبشيا قال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها وقال له:أخرج أطيب مضغتين فيها، فأخرج لقمان لسانها وقلبها..ثم مكث ما شاء الله ثم قال له يوما: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها.. وقال له مولاه:أخرج أخبث مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب مرة أخرى..قال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجت القلب واللسان ثم أمرتك بإخراج أخبث ما في الشاة فأخرجت القلب واللسان..كيف ذلك؟ فأجابه لقمان: "انه ليس أطيب منهما إذا طابا, وليس أخبث منهما إذا خبثا".
وهنا بالذات يظهر تركيز لقمان المربي الفاضل على مضغتين في جسد الفرد هما: القلب واللسان ..فلو حفظهما المرء من السوء ومن الآثام والمعاصي لفاز فوزا عظيما, ولكنهما أحيانا كثيرة يكونان مجلبة لكثير من الفضائح والزلات والعصيان، لا لشيء سوى لأنهما لا يخضعان لمراقبة المسلم وخشيته من الله تعالى في حله وترحاله..
ولنعد إلى الآيات الكريمات في سورة لقمان حيث يعظ ابنه بعدة وصايا ونصائح نفيسة ولنستخرج منها هذه العبر والفوائد الجليلة.. لكن قبل ذلك,هناك ملاحظات أساسية لابد من إبدائها والمرتبطة بالشكل الذي قدم بها لقمان نصائحه الغالية لابنه منها:
- مبدأ الحوار بين الأب والابن بطريقة سلسة دون إثارة مشكلة عدم التواصل بين جيل الآباء مع جيل الأبناء, وهي القضية التي تعاني منها كثير من الأسر في واقعنا اليوم..لقمان كان يخاطب ابنه بأسلوب كله حوار راقي وحضاري, فالأب يسدي النصائح والمواعظ والابن ينصت أحسن الإنصات,وتمر الأمور في هدوء وروية بين الطرفين..
- وسيلة الإقناع بحيث أن لقمان الحكيم كان يورد الامر أو النهي ويُتبعه بالشرح والتبرير..مثلا يعظ ابنه بأن لا يصعر خده للناس وبأن لا يتكبر، فيفسر له للتو بأن ذلك السلوك يكرهه الله تعالى بالقول :"إن الله لا يحب كل مختال فخور". ولما أمره باللين بأن لا يرفع من صوته وأن يقصد فيه, أردف ذلك بالقول:" إن أنكر الأصوات لصوت الحمير"..
- بدء الخطاب بالرفق والأسلوب الذي كله رقة وعذوبة: "يا بني"..وهي لفظة تصغير لكلمة "ابني" من أجل التحبب والتقرب بغية إيصال الخطاب بطريقة سليمة وكاملة ولفت الانتباه للمُخاطَب..
- الرد على التساؤلات المحرجة للطفل مهما كانت حتى لو جاءت في موضوع الجنس, وذلك بالجواب اللطيف والذكي دون قمع الطفل السائل أو إبداء تبرم من سؤاله أو ضجر من إلحاحه في السؤال..
- تقديم البديل: حين قال لقمان لابنه بأن لا يمشي في الأرض مرحا أتى له بالبديل وهو أن يقصد في مشيه..وهكذا دواليك تتأسس التربية الإسلامية السليمة للأبناء..
أما البناءات التي تضمنتها كلمات لقمان الى ابنه فتتشكل ركائزها على ما يلي: