اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي
بعد أن وقع كل من إسرائيل و فلسطين و الأردن و تونس و المغرب و مصر اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي جاء دور الجزائر لتنهي مفاوضاتها - التي بدأت مع الاتحاد يوم 04 مارس 1997- بتوقيع عقد الشراكة . و قبل أن نبحث في المحتوى الاقتصادي لعقد الشراكة هذا علينا أن نذكر مجموعة من النقاط المساعدة و التي ستوضح الصورة أكثر: تضمن إعلان برشلونة لسنة 1995 مجموعة من المستجدات أبرزت الإستراتيجية الجديدة له اتجاه المنطقة المتوسطية. و التي تهدف أساسا إلى تعزيز موقعه التنافسي الدولي في المنطقة. و بالتالي فإن هذه الإستراتيجية تمحورت حول محورين أساسيين :
المحور الأول : يخص التعاون المقترح في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
المحور الثاني : تفضيل الشراكة كوسيلة للتطبيق الميداني لهذا التعاون و ينصص إعلان برشلونة على ضرورة بناء تدريجي لمنطقة تبادل حر بين الاتحاد الأوروبي و الدول المتوسطية الإثنا عشر الأخرى. و يظهر مما سبق أن هنالك نية معلنة إلى إيجاد ما يسمى بمنطقة رفاهية مشتركة كما يذكر " السيد عبد المجيد بوزيدي " - المستشار الاقتصادي السابق للرئيس زروال – تكون مبنية على النمو الاقتصادي و الاجتماعي الدائم و المتوازن. لكن هل حقيقة تفكر دول الاتحاد في إحداث هذا التوازن بينها و بين دول متوسطية قدراتها التنافسية جدّ ضعيفة مقارنة مع قدرات دول الاتحاد ؟
و الحقيقة التي لا يمكن أن تخفى على أحد هو أن الاتحاد من خلال هذه الميكانيزمات إنما يبحث عن تحقيق مايلي :
1/- مواجهة المنافسة الأمريكية و اليابانية لاكتساب أسواق دول متوسطية تتميز اقتصاداتها بالميزة الاستهلاكية
2/- توسيع السوق الأوروربية بما يسمح بتصريف المنتجات الأوروبية إلى أسواق عالمية جديدة خاصة إذا كانت متوسطية و اقتصاداتها ضعيفة
و الشيء الذي يؤكد ذلك، هو أن أوروبا تنجز حاليا أحسن نتائجها التجارية مع دول جنوب المتوسط حيث حققت فائضا تجاريا سنة 98 مع هذه الدول قدر بـ 19 مليار دولار. و بالتالي فإن طموحات الاتحاد الأوروبي لا تقف عند هذا الحد فمن مصلحته أن ترفع القيود عن صادراته إلى الدول المتوسطية الأخرى ( و هذا الأمر متبادل أي أن يرفع قيوده عن صادرات هذه الدول هو أيضا ). لكن يقتصر الأمر على المنتجات الصناعية. مع إقصاء للمنتجات الزراعية و اليد العاملة. ( التي ماتزال تعاني من إجراءات يطبقها الاتحاد تجعلها أقل تحررية
لكن ما هو واقع حقيقة هو أن الجزائر وقعت عقد الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ، و الاتفاق يمس أربعة مجالات تتفاوت من حيث أهمية كل منها : سياسية، اقتصادية، اجتماعية و ثقافية.
و الشيء الذي يهمني كاقتصادي هو الجانب الاقتصادي فما هو محتوى هذا العقد في جانبه الاقتصادي ؟
إحتوى الاتفاق على مجموعة من الآليات الاقتصادية التي تساهم في تحقيق تدريجي لمنطقة تبادل حر أورو متوسطية، و المتمثلة في حرية تدفق السلع و رؤوس الأموال و كذا المنافسة بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي.
و عند الحديث عن رفع الحماية فإن الاتفاق يعني رفعها كليا عن الاقتصاد الوطني من خلال الآليات التي تضع الإنتاج الجزائري في منافسة حقيقة.
لكن هذا لن يتم دفعة واحدة بل أن هنالك مرحلة تدريجية لتأهيل الإنتاج الوطني و رفع الحماية قدرت بحوالي 5 إلى 6 سنوات بعد التوقيع على الاتفاق، و من المفترض أن يصبح الاقتصاد الجزائري مطلق الحرية مع الاتحاد الأوروبي في حدود سنة 2009 أو 2010.
كذلك نص الاتفاق على جوانب دعم و تعاون مالية تضمن مايلي :
- إعادة تأهيل الوحدات الصناعية
- إصلاح المنظومة البنكية
- تكوين المسيرين
إلا أن هذه الإجراءات لم تترجم في شكل معطيات مالية رقمية بل جاءت على عموميتها.
و لقد لوحظ أن هذا الاتفاق بالإضافة إلى أنه لم يتضمن أي إجراء مالي ملموس و محدد رقميا فإنه نجد أيضا غياباً للالتزام المباشر و المحدد من قبل الاتحاد الأوروبي تجاه الجزائر في مجال التعاون الاقتصادي، يضاف إلى ذلك غياب اقتراحات ملموسة في مجال الاستثمار المباشر باستثناء قطاع الطاقة الذي حظي بالاهتمام الأوفر، و اكتفى الاتفاق بالإشارة إلى تشجيع أوروبي للمتعاملين الأوروبيين قصد الإقدام على الاستثمار في الجزائر.
الانعكاسات الاقتصادية لاتفاق الشراكة بين الجزائر و الاتحاد الأوروبي :
لا نريد أن نحكم مسبقا على تجربة لم تنطلق بعد لكننا من خلال بعض المعطيات التي ذكرناها كمقدمة لهذه المحاضرة يمكننا أن نتنبأ بما يلي :
1/ على مستوى ميزانية الدولة :
نظرا لكون الاتفاق يهتم و يركز على ضرورة رفع الحماية على المنتوج الوطني فهذا يعني إلغاء كليا للرسوم الجمركية و بالتالي فإن ميزانية الدولة ستتأثر من جراء هذا الإلغاء ذلك أن هذه الرسوم تعتبر عنصرا أساسيا فيها و لذا يجب تغطية هذا العجز بفرض رسوم داخلية، أو الرفع من الرسوم الموجودة أصلا أو انتهاج سياسة مالية متقشفة.
2/ على مستوى التشغيل :
إن غزو السلع الأوروبية ذات الجودة العالية و السعر المنخفض – نتيجة رفع الحماية – سيترتب عليه انخفاض في الطلب الكلي على المنتوج المحلي الأدنى جودة و الأرفع سعرا مما قد يتسبب في غلق مؤسسات اقتصادية عمومية و خاصة لا تستطيع الاستمرار طويلا في مواجهة المنتوج الأوروبي ،مما يعني تسريحا جديدا للعمال قد يكون أكثر رهبة من الذي عرفناه في فترة تطبيق برنامج FMI
3/ على مستوى الميزان التجاري :
قبل الاتفاق كنا بلدا مستوردا و بعد الاتفاق سيتأكد بل سيرسخ هذا المبدأ و بالتالي فإن وارداتنا ستعزز من العجز في ميزاننا التجاري ذلك أن المنتوج الوطني غير مرغوب فيه على مستوى الأسواق الخارجية. نظرا للمنافسة الرهيبة للمنتجات الأوروبية.
إن التوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لم يتم من أجل إخراج الاقتصاد الجزائري من تخلفه، بل أن النوايا الحقيقة للاتحاد هي التوسيع و تحقيق الأهداف الأوروبية.
ثم أن الاتحاد عندما فاوض ، فاوض باسم و بقدرة مجموعة من الدول ذات الاقتصاديات المتطورة ،و الدول التي انظمت إلى الاتفاق إنما فاوضت بمفردها، فمن المؤكد أن وضعها سيكون ضعيفا و أن قدرة المفاوضات الفردية ستكون حتما اضعف من قدرة المفاوضات التكتلية أو الجماعية الموحدة. نفس الشيء يقال عن الجزائر، فلقد فاوضت من وضع الضعيف المغلوب على أمره، ذلك أن المعطيات الاقتصادية العالمية أوحت إلى الجزائر بضرورة الإسراع في عقد اتفاقات مماثلة لكنها جاءت متأخرة نوعا ما، و حبذا لو أنها دخلت المفاوضات باسم الاتحاد المغاربي عندها كان يمكننا أن نتفاءل لمستقبل الشراكة مع الاتحاد. لكن و الوضع المخالف يطرح نفسه فإننا لا نستبشر به خيرا و سنشهد وضعا اقتصاديا أكثر تأزما، ذلك أننا لم نتهيأ لمواجهة مثل هذه الأوضاع.
إن الاقتصاد الجزائري لا يمكن أن يصمد أمام الانعكاسات السلبية لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي إلاّ إذا استغل فترة التأهيل استغلالا عقلانيا، حيث يجب أن يعاد النظر في مجموعة من المعطيات نرى أنها تتمحور فيما يلي :
1/- أولويات الاقتصاد الوطني : أي تحديد الحاجيات الحقيقية للاقتصاد الجزائري و التي تمكن من وضع الأصابع على القطاعات الأكثر حساسية لآثار الشراكة الأوروبية و النظر في كيفية تدعيمها أو إعادة تأهيلها حتى و إن استدعى الأمر المساعدة الأجنبية ذات الخبرة الواسعة في مجال تقييم المشاريع، فلنبقي و لنوسع ما كان قادرا على مواصلة النشاط و الوقوف أمام المنافسة القوية للمؤسسات الأوروبية، و لنغير نشاطات الباقي مما يتوافق مع معطيات السوق.
2/- التفكير في مصير العمال المسرحين : ذلك أن التسريح لعدد منهم يعتبر حتمية تفرضها المعطيات الاقتصادية، فلم لا نفكر في مشاريع جديدة و تقنيات حديثة و ننشئ مؤسسات ذات طموحات قوية و قدرات تسييرية عالية ( لا يهم عمومية أم خاصة ) لامتصاص هؤلاء العمال المسرحون و الذين لديهم خبرة مهنية يمكن أن لا تضيع و تجنبنا أيضا تكاليف التكوين و إعادة التأهيل.
3/- التنقيب عن مصادر تموين الاقتصاد بالتكنولوجيات الحديثة : ذلك أن الجودة تعني قدرات تسييرية جيدة لكنها تعكس أيضا مستوى متطورا من الآلة الإنتاجية، و بالتالي فاكتساب هذه التكنولوجيات سيعزز مركزنا التنافسي.
4/- تكوين الكفاءات التسييرية : إن انهيار المؤسسة العمومية كان في أغلب الأحيان ناجما عن كفاءات تسييرية هشة، لذا علينا إرسال بعثات متخصصة للحصول على تكوين تسييري حديث سيغير نمط الإنتاج و النشاط الاقتصادي من جذوره.
5/- رغم أن فترة التأهيل للاقتصاد الوطني قصيرة لكن هذا لا يمنع من سن بعض القوانين التنظيمية و التحفيزية للاستثمار المحلي و الأجنبي في الجزائر، ذلك أن غموض قوانيننا و تعقدها كان حجر عثرة أمام تفجير بعض المبادرات الاقتصادية الطموحة.
6/- اعتماد أنظمة جبائية مرنة و أكثر تحفيزية حتى تكون مؤسساتنا المبادر الأول للتوسع في النشاط الاقتصادي، ذلك أن القوانين الجبائية في أغلب الأحيان ساهمت و بشكل مباشر في تنشيط العزيمة لدى العديد من المؤسسات، يضاف إلى ذلك الطرق التقليدية التي يسير بها الجهاز الجبائي و التي لا تتوافق مع المعايير الدولية، لذا لابد من إعادة النظر في الجهاز بحدّ ذاته.
7/- تنمية الجهود التعاونية لتكامل و تعاون اقتصادي بين دول الاتحاد المغاربي لعلها تعيد حساباتها في عقود الشراكة التي أبرمتها بمفردها لتصاغ بشكل جماعي موحد و بقوة مفاوضات أكبر.
الخاتمة:
إن هذه الميكانيزمات و غيرها يمكنها أن تعزز جهاز المناعة لاقتصادنا حتى يكون أكثر صلابة أمام الانعكاسات و الآثار الناجمة عن توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي و من دون ذلك نؤكد و نقول أن الجزائر لم تعقد صفقة اقتصادية بتوقيعها على الاتفاق، بل أنها حجزت حفرة لدفن جزء هام من سيادتها الاقتصادية و أعني أن اقتصادنا سيعزز تبعيته للخارج في ظل اتفاق الشراكة بين الجزائر و الاتحاد الأوروبي .